أمي لا ككلِّ الأمهاتِ .. بقلم الدكتور عمران صبره الجازوي
أمي لا ككلِّ الأمهاتِ ..
بقلم الدكتور عمران صبره الجازوي
لم يحتل إنسانٌ في دنيانا هذه من قلبي ما احتلته أمي - رعاها اللهُ - فهي تسكنُ في سويدائه ، وتتربعُ على عرشه ، منزلتها فيه لا تدانيها منزلةٌ ، ومقدارُ محبتي لها لا يعلمها إلا اللهُ - عزَّ وجلَّ - ، ولمَ لا ؟ وهي قد ربتني صغيراً بعدما تسلمت الرايةَ مُبكّراً ؛ لالتحاقِ أبي - رحمه اللهُ - بالرفيقِ الأعلى ، وكفلتني يتيماً ، وعلمتني كبيراً ، أعطتني برغمِ ضيقِ ذاتِ يدها ، وعلمتني بالرغمِ من أميتها ، قامت بدورها كأمٍ خيرَ ما يكونُ القيامِ ، وأدت رسالتها على أكملِ الوجوه وأتمّها ، ولم يتوقف عطاؤها عند هذا الحدِّ بل كانت أباً شفيقاً حانياً حتى أيقنتُ أن حنانَ الأبِ الذي حُرمتُ منه - لو وُجد - لما كان أقوى من حنانها ، ورعايته - التي لو قُدّرت لي - لما كانت مثلَ رعايتها ؛ لذا حقَّ لها - وأيمُ الله - أن تكون أحبَّ إليّ من نفسي وولدي والناسِ أجمعين .
هي رحمةُ الله - عزَّ وجلَّ - لي في الدنيا ، وأرجو أن تكونَ بابي إلى الجنةِ في الآخرة - إن شاء اللهُ - ، دعواتها كنزي الذي عُجّل لي بعضه توفيقاً وستراً وبركةً ، وأُجّل لي بعضه وقايةً من مصارعِ السوءِ .
هي واحتي التي أُلقي عصا الترحالِ عن عاتقي تحتها حينما تتعبني رمضاءُ الحياةِ وكدّها ، فتربّت على كتفي ، ويكونُ وقعُ كلماتها التي تخففُ عني ما أنا فيه كوقعِ قطراتِ الماءِ الباردِ على كبدِ الصادي .
هي بلسمي حينما تكثرُ جروحي ، وينتابني الإعياءُ فتمرّرُ يديها على جسدي ، وترقيني بما تحفظُ من آياتِ الله ، فأشعرُ بسريانِ العافيةِ فيه ، فيستحيلُ التعبُ راحةً ، وأتماثلُ للشفاءِ ، وأقومُ وكأني فُككتُ من عقالٍ .
هي نورُ عيني الذي أرى به فتستضيءُ به الحياةُ ، إذا ما رأيتُها أشرقت شمسُ دنياي ، فأستشعرُ دفئها ، وأجدني أقولُ : أمي لا ككلِّ الأمهاتِ .
هي معلمتي التي تعلمتُ على يديها مالم أتعلمه في أعرقِ الجامعاتِ ، عرفت ربي في تمتماتها في الحركاتِ والسكناتِ ، ووجهتني الوجهةَ الصحيحةَ ، وعلمتني الصبرَ والصمودَ عند المُلمّاتِ .
أمي أطالَ الله بقاءكِ ، ووالله لوجودكِ أحبُّ إلي من وجودي ، ولو تُوصلُ الأعمارُ لوصلتُ عمرك من عمري ، ولو تُحملُ الآلامُ لجعلتُ ألمكِ ألمي ، بوركتِ أينما كنتِ ، وحفظكِ الله من بين يديكِ ومن خلفكِ ، ومتّعكِ بالصحةِ والعافيةِ ما أحياكِ ، ورزقني برّكِ ما أحياني ، فبرضاكِ أشعرُ بأنني في مأمنٍ من عذابِ الله .



تعليقات
إرسال تعليق