التخطي إلى المحتوى الرئيسي

رمضان ونظرية توازن الأسواق والاقتصاد د. عطية المســـعودي

رمضان ونظرية توازن الأسواق والاقتصاد
                        د. عطية المســـعودي
المقدمة:
في كل عام يُكرم الله أمة الإسلام بشهر رمضان، شهر تجلي المكارم الربانية، الذي جعل صيامه فريضة وقيام ليله تطوعًا، فلله الحمد والمنّة، وحتى يؤتي الصيام أُكله وثمراته جاء التوجيه الشرعي للانتفاع من مدرسة الصيام من خلال تهذيب النفس والروح، وذلك بالامتناع عن الشهوات، وحفظ الصيام من كل ما يفسده من المفسدات المادية كالأكل والشرب، أو المعنوية كالغيبة، وللوقاية من كل هذا جاءت آيات الصيام للحديث عن ضبط القوة الشهوانية بضبط الأكل والشرب، وضبط القوة الناطقة بربط اللسان بالتلاوة والذكر والدعاء، وفي هذا الشهر يكون للصائمين مع الأسواق موعد مثل كل عام محفوفًا بمخاوف جمة ليس أخفها التهاب أسعار أكثر السلع استهلاكًا من العائلات.
فهل من الطبيعي أن تكون المواسم الدينية والتعبُّدية في بلادنا فرصة تاريخية لتحقيق الأرباح التجارية؟ وكيف نفهم الصوم من زاوية نظر توازن الأسواق والاقتصاد؟؟؟؟؟
أولًا آلية الرقابة الذاتية:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام؛ فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنّة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابّه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه"، ومعنى الحديث أن كل أعمال المرء تحتمل جانب الرياء والظهور إذ تتحقق المنفعة الشخصية إلا الصوم فإن من طبيعته أنه لا يحتمل ذلك، أي أن لا أحد يمكنه أن يراقب سلوك المسلم في رمضان إلا الله عز وجل، وبالتالي لا شيء يدفع بالمؤمن الى الصيام سوى إيمانه بالله، إذ مع إمكانية أن يفطر المسلم في رمضان دون أن ينتبه إليه أحدٌ من الناس، فهو لا يفعل ذلك. ولو تمكن المسلمون من إسقاط هذه الحالة على نظام حياتهم في الشؤون المتبقية لأمكن الاستغناء عن عديد أدوات الرقابة على السلوك العام ومنها سلوك الأسواق ولأمكن ادخار حجم معتبر من أموال الأمة مازالت تنفق على تلك الأدوات.
ترشيد سلوك المستهلِك
وصل التحليل الاقتصادي إلى بناء علاقة للطلب على الاستهلاك يحددها دخل الفرد وسعر السلعة وأذواق المستهلكين، ويقوم الفرد حسب التحليل باتخاذ قرار الاستهلاك حسب مستوى تلك المحددات والهدف من ذلك هو تعظيم المنفعة، وتتعاظم المنفعة حسب النظرية الاقتصادية التقليدية عند مستوى معين من الطلب الاستهلاكي يتحدد بمستوى الدخل ومستوى السعر إلى غاية حدود التشبُّع، وحسب تلك النظرية دائمًا، لا حدَّ للاستهلاك دون التشبُّع بل لا يكون المستهلِك رشيدًا إلا عند بلوغ الحد الأقصى للمنفعة.
هذا تفسيرٌ مبسَّط جدًا لتحليل الطلب الاستهلاكي من وجهة نظر المدارس التقليدية في الاقتصاد، والنتيجة المباشرة هي تحقيق المنفعة المادية ولكن على حساب توازن الأسواق إذ يؤدي الطلب الزائد من جهة واحدة هي جهة الأفراد ذوي الدخل المرتفع إلى رفع أسعار السلع في الأسواق الحرة ومن ثمة رفع مؤشر التضخُّم الذي يدفع ثمنه دائمًا أصحاب المداخيل المتوسطة والدنيا، وفي اقتصاد مبني على الاستهلاك يلجأ الأفراد إلى المداخيل المصطنعة أي الاقتراض من البنوك بغرض الإنفاق على الاستهلاك مسايرة لنظرية “تعظيم المنفعة” المذكورة ما ينعش الطلب على القروض الربوية ويدفع إلى التوسُّع في الإقراض الذي غالبًا ما يؤدي إلى تجاوز معايير السلامة البنكية والى الإفلاس الذي يدفع ثمنه دائمًا صغار المدخرين.
أما صوم رمضان فيقدِّم لنا مشهدًا مغايرًا تمامًا لسلوك المستهلِك المسلم إذ يتجه الإمساك عن الطعام والشراب نحو الضغط على الطلب من الجهة الواحدة، ويسرِّع الشعور بالجوع والعطش من وظيفة إعادة توزيع الدخل نحو الأفراد الأقل دخلا بدافع الإحسان والإنفاق على الخير، ما يؤدي إلى اشتراك الأفراد في نفس القدر من المنفعة فيرتفع الطلب الكلي في الاقتصاد دون أن يؤدي ذلك إلى ارتفاع الأسعار كما هو في التحليل الاقتصادي التقليدي، بل إن دخول سوق الاستثمار على الخط لمواكبة الطلب الجديد سيؤدي إلى رفع العرض ومن ثمّة خفض الأسعار في الأسواق الحرة، وهكذا يحقق المسلم الصائم نفس القدر من المنفعة التي يستهدفها غيره ولكن باستهلاك أقل وبإنفاق أدنى من الدخل، وفي ذلك ربما بعض الجزاء الذي يتلقاه المجتمع الصائم في الحياة الدنيا.
سرعة دوران النقود
يربط التحليل الاقتصادي بين فعالية السياسة النقدية وسرعة دوران النقود، وهناك نظرية متكاملة في هذا الموضوع تُعرف بالنظرية الكمية للنقود، وقبل أن تسطع هذه النظرية في سماء الأبحاث المعاصرة كان واحدٌ من علماء الإسلام هو “تقي الدين المقريزي” الذي عاش وسط القرن الثامن الهجري أي وسط القرن الـ14 للميلاد، قد ألَّف رسالة في النقود تعدُّ أول وثيقة علمية منهجية في السياسة النقدية، وتعني العلاقة بين نجاعة السياسة النقدية وسرعة دوران النقود باختصار أنه كلما استخدِم النقد في المبادلات التجارية والاستثمار زادت الكمية المعروضة منه، ما يساعد على توفير السيولة دون أثر تضخُّمي، وفي الحالة العكسية؛ أي حالات الاحتكار والاكتناز والمضاربة، يجري الضغط على سرعة دوران النقود، ما يؤدي إلى شح السيولة وكبح الاستثمار كمرحلة سابقة لحالة الركود، وتعمد الحكومات في مواجهة هذه الحالة إلى تطبيق تدابير التصحيح عن طريق التمويل بالعجز وإصدار السندات الربوية، وفي أمريكا يلجأ الفدرالي الأمريكي إلى رفع معدّل الفائدة لاستقطاب الادخار وأحيانا الى ضخِّ السيولة بطريق إصدار المزيد من الدولار، وهي أدواتٌ متبعة ولكن آثارها التضخمية واسعة.
والمتأمل في سلوك الصائم في رمضان، سواء كان هذا الصائم فردا أو أسرة أو يمثل مؤسسة إنتاجية أو يصنع استراتيجية نشاط مؤسسة بنكية أو ينوب عن الحكومة كعون اقتصادي، هو الصوم عن الممارسات المعطلة لوظيفة النقود مثل احتكار السلع التي هي بمثابة التعبير السلعي عن كمية النقد، ثم الاكتناز الذي يعمل في اتجاه إخراج النقود من الدورة الاقتصادية، ثم الإنفاق على استهلاك أو إنتاج السلع والخدمات المحرمة شرعا وهي نفسها السلع والخدمات محدودة الطلب عليها في المجتمع المسلم، ثم تعاطي الربا في الجهاز البنكي والذي من شأنه أن يطرد النقود من حقول الإنتاج الى التجارة في العملة والمضاربات في أسواق المال، ثم المضاربات المختلفة التي تحول دون توزيع المخاطر على أطراف العمليات الاستثمارية. صومٌ كهذا لا يسمح بتداول النقود خارج معايير السلامة الشرعية، بل يعمل في اتجاه سلوك الريح المرسلة التي بدورها تسرِّع عملية دوران النقود مثلما تعمل على نقل الطلع المثمر من شجر إلى شجر.
حقيقة، ينضبط سلوك الوحدات الاقتصادية في المجتمع المسلم بفضل الصيام دون الحاجة إلى تدخل السلطات أو الرقابة من الخارج عدا رقابة المسلم على نفسه، وهي نفسها الرقابة المتأتية عن خشية الله بامتياز، ولهذا لا جزاء يقابل الصوم الكامل في الإسلام سوى الجزاء الذي يتعالى الله عز وجل وحده بتقديره، ومع هذه المعاني السامية لصوم رمضان تجد بعض المجتمعات المسلمة نفسها أسيرة خلل في الأسواق كلما هلّ هلال الشهر الكريم، ما يعني مفارقة حقيقية بين المبدأ والسلوك أي بين الإيمان والعمل.
فلابد من الوعي بأهمية ودور الاقتصاد، والنتائج الإيجابية المترتبة عليه في هذا الشهر الكريم.

وإلي اللقاء في مقالات أخري حول الاقتصاد ورمضان.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

طوفان الظلم بقلم الشاعر،، هادى صابر عبيد

طوفان الظلم . لم تنل من عِلم عُقلائِها الأمُم الفقر أبكمُ والغِنى صَمم . وإذا القضاء بهِ العسكر يتحكم لا خير في شعب قانونه أَلْجَمَ . الحق سجين والقلوب حِمم الحكم للظلم والفساد علم . ضاقت البحار بسُكانها النِعم باتت الأسماكُ لِبعضها لُقمُ . حبل الفساد طال كالنار يلتهِم الفُقر أنهم تأكُلُ ثيرانها الغنم . لا تضنن ركود البحر مستسلمٌ غضب الأمواج تُغرِقُ القِمم . هادي صابر عبيد سورية / السويداء .

Covenants🌹 ,,,, By the poet ,,, xiao

誓言🌹 ~~写于2020.3.30. 殊途……花残 零落……一片 是你……捡起我们爱的图片 吻我之眸……遮我半世流离 抚我之面……慰我半世哀伤 携我之心……融我半世冰霜 星海……滚烫…… 今世……陪你疯狂痴癫 人间……理想…… 注定……在风的心窝里 追……寻…………………… 我们曾在春天许下的誓言 纵然……疲惫不堪 面对无敌的阳光 也……要…………………… 忠诚的警起沉重的快乐 因……世间………………… 唯你……可倾我心 覆我……之唇 收……我此生所有 回……首……………… 赠……你一世深情 云雨为伴……你还在…… 有山有水……有自然之气

تهنئ أسرة جريدة الخبر العلمية د./خالد العتال وعروسه د./ إسراء

تهنئة تهنئ أسرة جريدة الخبر العلمية د./خالد العتال وعروسه د./ إسراء حسونة بحفل الزفاف السعيد جمع الأهل والاصدقاء ونسأل المولى عز وجل أن يبارك لهما وعليهما ويجمع بينهما في الخير  وبالرفاه والبنين إن شاء الله رئيس مجلس الإدارة د./ حسام محمد خليل  رئيس التحرير د./ جيهان محمود