عذراً يا أمي لن أهنئكِ ...
بقلم الدكتور عمران صبره الجازوي
أيا حبّة القلبَ وسويداءه ، ويا تاجَ رأسي ، ووسامَ فخري ، أيا أمي يا بابي إلى الجنة ، والجنةُ تحتَ قدميكِ ، جعلوا لكِ يوماً ، وأسموه " عيدَ الأم " ، ولكني لن أهنئكِ بقدومه ؛ لأن ربي وربك أمرني ببرّكِ ، وأوصاني بالإحسان إليكِ ، وجعل ذلك من أولى الحقوقِ وآكدها على الإنسان بعد عبادته وحده لا شريك له ، قال تعالى : { وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً ....} سورة الإسراء آية - 23 ولم يجعل لذلك وقتاً محدداً بل كلفني به - على سبيل الوجوب - منذ أن بلغت الحلم ، وحتى يأتيني اليقين ، فوجودكِ وبرّكِ عيدٌ كلَ يومٍ للبارين . أما من يعقونكِ لغلظةِ قلوبهم ، أو لغلبة شقوتهم عليهم ، أو لجهلهم بقدركِ مؤثرين رضا زوجاتهم على رضاكِ ، ويزودون عن حماهن دونَ حماكِ ، يتوضؤون بدموعكِ - وبئس الطهور طهورهم - ليصلوا في محاريبَ زوجاتهم صلاةً مردودةً على صاحبها تلعنه وتقصيه ، وإلى نارِ جهنمَ تدنيه ، فهؤلاء قد جعلوا لبرّكِ يوماً واحداً فباءوا بخسرانٍ مبين .
فعذراً يا أمي ، ويا كلَّ أمٍ كانت تؤملُ في بنيها برّاً وصلةً ، فألفت عقوقاً وقطيعةَ رحمٍ .
عذراً إلى كلِ أمٍ شقيت لتسعد بنيها ، وتعبت لتريحهم ، وجاعت لتسدَّ جوعهم ، وتقيم صلبهم ، فضربوا بذلك عُرضَ الحائط ، وأضاعوه هباءً منثوراً ، ولم تلقَ أمهاتهم منهم جزاءً ولا شكوراً .
عذراً إلى كلِ أمٍ أعطت ولم تمنّ ، وجادت على فلذاتِ أكبادها ولم تضنّ ، ولكنَّ أبناءها لم يضعوا الأمورَ في نصابها ، فأتتها الإساءةُ من حيثُ مظنةِ الإحسان ، وجاءها الخوفُ من حيثُ تنتظرُ الأمانَ ، فخالفوا بذلك قولَ الله - عزَّ وجلَّ - : { هل جزاءُ الإحسانِ إلا الإحسان } سورة الرحمن آية -60 أرضوا زوجاتهم ، وأسخطوا أمهاتهم فبئس ما كانوا يفعلون .
أيها البارّون زيدوا في برّكم ، وأيها المقصّرون تداركوا ما فاتكم ، وأيها العاقّون توبوا إلى بارئكم ، وأحسنوا إلى سببي وجودكم ، واغسلوا بدموعكم قلوباً طالما أدميتموها ، وعيوناً طالما أدمعتموها ، ووجوهاً أذهبتم البسماتِ عن قسماتها وغبرتموها ؛ علّهم يرضون عنكم ، فيقبلكم ربكم ، وإلا كنتم من الأخسرين أعمالاً الذين ضلَّ سعيهم في الحياةِ الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً ، لا يقبل اللهُ منكم صرفاً ولا عدلاً .
تعليقات
إرسال تعليق