إيضاءاتٌ في الإسراءِ والمعراج ...
بقلم الدكتور عمران صبره الجازوي
إنَّ من المعلوم لدينا - نحن المسلمين - أن معجزة الإسراءِ والمعراج كانت تسريةً وتسليةً لرسول الله -ﷺ - بعدما ابتُلي بموت سنديه بعد الله - عزَّ وجلَّ - ، وأعني زوجته خديجة - رضي الله عنها - ممثلةً للجانبِ المؤمن ، والتي كانت تهوّن عليه ما يلاقي من أذىً في سبيل تبليغِ رسالةِ الله ، وعمه أبا طالبٍ ، ممثلاً للجانب المشركِ بيد أنه كان يدافعُ عنه ، ويخففُ من وطءِ المشركين عليه ، فجاءت رحلةُ الإسراءِ والمعراجِ ؛ لتسرّي عن قلبِ النبي - ﷺ - ، وتذهبُ عنه الحزنَ الذي خيّم عليه ، وكأنها كانت مكافأةً على صبره ورضاه بما قدّره الله عليه ، كما اشتملت هذه الرحلةُ المقدسة على إيضاءاتٍ كثيرةٍ من أهمها ما يلي :
- التقاءُ السماءِ بالأرضِ ، وانتفاءُ مسافاتِ البعدِ بينهما خاصةً بعدما قضت البشريةُ قروناً في التيه والبعدِ عن الاهتداءِ بالوحي الإلهي ، فجاءت هذه الرحلة التي كانت لصاحبِ الدعوةِ العالمية ، والنبوةِ الخاتمة دليلاً على أن الله - سبحانه وتعالى - لم يخلق عباده عبثاً ، ولم يتركهم سدىً ، بل خلقهم بقدرته ، وربّاهم على نعمته ، وأرسل لهم رسلاً مبشّرين ومنذرين يدلّونهم عليه ، ويوضّحون لهم معالمَ الوصولِ إليه .
- إظهارٌ لمزيّةِ النبي- ﷺ - ، وبيان فضلهِ على سائر الأنبياءِ والمرسلين ، إذ أحياهم الله له ، وجعله إماماً لهم في الصلاةِ ، فكانت إمامته في الصلاةِ دليلاً على إمامته في الفضلِ ، وعلوِّ درجته في القرب من الله .
- أن ابتداء هذه الرحلة من المسجد الحرام بمكة ، مروراً بالمسجد الأقصى في فلسطين الأبيّة ، وانتهاءً بالعروجِ إلى السمواتِ كان دليلاً على الارتباطِ الوثيقِ بين هذه المقدسات ، بالإضافةِ إلى تفضيلها من قِبلِ الله ، واصطفائها على سائرِ الأماكنِ ، كما أن فيها دليلاً على وحدة العقيدةِ من لدن آدم - عليه السلام - حتى نبينا محمدٍ - ﷺ - ، وإن اختلفت شرائعهم لحكمةِ الله الذي راعى ظروف العباد ، واختلاف طبائعهم فما يصلحُ لزمانٍ قد لا يصلحُ لزمانٍ آخر ، وما يناسبُ أقواماً قد لا يناسبُ أقواماً آخرين ، فالأنبياءُ - كما قال ﷺ - إخوةٌ لعلّات أمهاتهم شتّى ، ودينهم واحدٌ .
- أن ركوبه البراقَ كان ترسيخاً وتأكيداً لعقيدة الأخذِ بالأسبابِ ، وعدمِ تركها تلك العقيدة التي إن اُلتفت إليها دون التوكلِ على الله كان ذلك قدحاً في التوحيدِ ، وإن تُركت بالكلية كان قدحاً في التشريعِ ، فالله - سبحانه وتعالى - كان قادراً - وهو لا يعجزه شيءٌ في السمواتِ ولا في الأرضِ - على أن ينقلَ النبي- ﷺ- دفعةً واحدةً إلى حيث ما أراد دون الحاجةِ إلى البراق للذهاب إلى بيتِ المقدسِ ، أو المعراجِ للصعودِ إلى السمواتِ العلى ، ولكن إيجادِ البراقِ كا ن تعليماً للأمةِ المحمديةِ أن الأخذَ بالأسباب لا يتنافى مع حسنِ التوكلِ على الله .
- أن في إطلاعِ الله لرسوله - ﷺ - على الجنةِ والنارِ ، وإيقافه على بعضِ مشاهدِ التعذيب لمرتكبي الذنوب الكبار ، وسييء الأوزارِ كان إعطاءً لصورةٍ حيةٍ تبينُ وخامةَ العاقبةِ ، وسوء المنقلبِ ليكون ذلك أردعَ وأزجرَ ، ولو اقتصر على بيان العقوبة فقط لما كان ذلك .
- إظهارٌ لمزيّةِ الصحابة - رضوان الله عليهم - وخاصةً أبي بكر - رضي الله عنه - الذي فاز بلقبِ الصدّيق بعد هذه الرحلةِ ، إذ لم ينتابهم شكٌ - فيما حدّثَ به رسول الله -ﷺ - ، أو يعتورهم ريبٌ ، فكان لسانه عندهم أصدقَ من ألسنتهم ، وعينه أوثقَ من عيونهم ، ولم لا ؟ وهم يشاهدون تنزّل الوحي عليه ، والتقاءِ السماءِ بالأرضِ بين يديه .
تعليقات
إرسال تعليق