فيروسُ كورونا وحوتُ يونسَ - عليه السلامُ - .
بقلم الدكتور عمران صبره الجازوي
إنَّ نبيَّ اللهِ يونسَ - عليه السلامُ - لمّا ذهب مغاضباً لقومه ؛ لإبائهم عليه ، وتماديهم في كفرهم { وذا النونِ إذ ذهب مغاضباً فظنَّ أن لن نقدرَ عليه فنادى في الظلماتِ أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنتُ من الظالمين } سورة الأنبياء آية / 87 ركب مع قومٍ في سفينةٍ فلججت بهم ، وخافوا أن يغرقوا ، فاقترعوا على رجلٍ يلقونه من بينهم يتخففون منه ، فوقعت القرعةُ على يونسَ ، فأبوا أن يلقوه ، ثم أعادوا فوقعت عليه أيضاً ، ثم أعادوا فوقعت عليه أيضاً ، قال تعالى : { فساهم فكان من المدحضين } سورة آية الصافات /141 ، فقام وتجرّد من ثيابه ، وألقى نفسه في البحرِ فالتقمه الحوتُ ، فأوحى اللهُ إليه " أن لا تأكل له لحماً ، ولا تهشم له عظماً ، فإنَّ يونسَ ليس لك رزقاً ، وإنّما بطنك له يكونُ سجناً " ، واجتمعت على يونسَ ظلمةُ بطنِ الحوتِ ، وظلمةُ البحرِ ، وظلمةُ الليلِ ، وها نحنُ لسنا بأحسنَ حالٍ من يونسَ - عليه السلامُ - فإن كان يونسُ قد خرج مغاضباً لقومه ، فقد خرجنا مغاضبين لله ، جاء في حديثِ الخصالِ الخمسِ " ... لم تظهرْ الفاحشةُ في قومٍ قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعونُ والأوجاعُ التي لم تكن مضت في أسلافهم ... " رواه ابنُ ماجه ، وحسّنه الألباني .
وإن كان قد التقمه الحوتُ الماديُّ ، فقد التقمنا الحوتُ المعنويُّ " فيروس كورونا " ، وإن كان اللهُ قد أوحى إلى الحوتِ - برحمته - أن لا يأكلَ له لحماً ، ولا يهشمَ له عظماً ، فاللهَ أسالُ - بلطفه - أن لا يهتك حوتنا لنا ستراً ، وأن لا يفسد لنا جسماً ، وإن كان قد اجتمع على يونسَ ظلماتٌ ثلاثٌ ، فقد اجتمعت علينا ظلمةُ الغفلةِ ، وظلمةُ عدمِ توقيرِ اللهِ وتعظيمه ، وظلمةُ الجهلِ بكيفيةِ التعاملِ مع أقداره - عزَّ وجلَّ - ، تساوينا فيمَ يستوجبُ العقابَ - مع الفارقِ - ، وفي وخمِ العاقبةِ .
لم يكن أمامَ يونسَ تجاهَ هذا البلاءِ إلا اللجوءُ إلى اللهِ ، والتضرعُ إليه ، والاعترافُ بما اقترفَ { ... فنادى في الظلماتِ أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنتُ من الظالمين } ، فأقبلت هذه الدعوةُ تحفُّ بالعرشِ ، فقالت الملائكةُ : يا ربُ ، صوتٌ ضعيفٌ معروفٌ من بلادٍ غريبةٍ . فقال : أما تعرفون ذاك ؟ قالوا : لا ياربُ ، من هو ؟ قال : عبدي يونسُ . قالوا : عبدك يونسَ الذي لم يزلْ يُرفعُ له عملٌ متقبلٌ ، ودعوةٌ مُجابةٌ ؟ قال : نعم . قالوا : يا ربُ ، أولا ترحم ما كان يصنعُ في الرجاءِ فتنجيه من البلاءِ ؟ قال : بلى ، فأمرَ الحوتَ فطرحه في العراءِ .
فإن كان يونسُ - عليه السلامُ - قد أنجاه من حوتهِ لجوؤه إلى اللهِ ، وتضرعه إليه , واعترافهُ بما قد اقترفَ ،بالإضافةِ إلى صالحِ ما كان يصنعه في الرخاءِ ، فها نحنُ نجأرُ إلى اللهِ ؛ لينجينا من حوتنا ، مقرّين بما قد كان منّا ، متضرعينَ خاشعينَ متجرّدين من حولنا وقوتنا إلى حولهِ وقوته ، متوسّلين بما كان يعمله صالحونا في الرخاءِ ؛ ليتداركنا بلطفهِ في البلاءِ ، إذ قد حارت فيه الأطباءُ ، ووقفوا مكتوفي الأيدي لا حولَ لهم ولا طولَ ، وهو لا يعجزه شيءٌ في الأرضِ ولا في السماءِ .
ومما تجدرُ الإشارةُ إليه أنَّ اللطفَ الإلهي بيونسَ لم يقفْ عن إنجائهِ من الحوتِ فحسب ، بل تعداه إلى إخراجه إلى العراءِ ممدوحاً ، قال تعالى : {لولا أن تداركه نعمةٌ من ربه لنُبذَ بالعراءِ وهو مذمومٌ } سورة القلم آية/ 49 ، وهنا نحنُ نقابلُ بلاءنا صابرينَ محتسبينَ - إن شاءَ اللهُ - لينبذنا حوتنا ممدوحينَ مأجورينَ - بحولِ اللهِ وقوته ، ولطفهِ ورحمتهِ - ، روي البخاري في صحيحه عن عائشةَ - رضي اللهُ عنها - قالت : سألتُ رسولَ اللهِ -ﷺ- عن الطاعونِ ، فأخبرني أنّه : عذابٌ يبعثه اللهُ على من يشاءُ ، وأنَّ اللهَ جعله رحمةً للمؤمنين ، ليس من أحدٍ يقعُ الطاعونُ ، فيمكثُ في بلده صابراً محتسباً يعلمُ أنّه لا يصيبه إلا ما كتبَ اللهُ له إلا كان له مثلُ أجرِ شهيدٍ " رواه البخاري .
فارفعوا - يا رعاكم اللهُ - أكفَّ الضراعةِ إليه ، واذرفوا العبراتِ بين يديه ، واسألوه بأسمائه الحسنى ، وصفاته العلى ، أن يتغمدنا برحمته ، ويتداركنا بلطفه ، وأن يجعلنا على بلائه صابرينَ محتسبينَ ، وبقضائه وقدره راضينَ ومسلّمينَ ، وجدّوا في دعائكم عسى اللهَ أن يسلّمَ العبادَ والبلادَ ، فلا يردُّ القضاءَ إلا الدعاءُ ، وربكم حييٌ كريمٌ يستحي من عبده إذا رفعَ يديه إليه أن يردّهما صِفراً خائبتينِ .
تعليقات
إرسال تعليق