مُقوّماتُ الصحفيِّ الناجحِ .
بقلم الدكتور عمران صبره الجازوي
ما أخالُ الصحافةَ - في الآونةِ الأخيرةِ - إلا سفينةً كبيرةً اعتلاها من لا يمتّون إليها بصلةٍ ، ولا يمتلكون مقوّماتِ الإبحارِ - إلا من رحم ربك - ، فأداروا دفتها إلى وجهةٍ ما أُريدت لها ، وأنزلوها من عليائها ، وأصبحت على أيديهم مهنةَ من لا مهنةَ له ، ولكنَّ اعتلاءهم له أمدٌ وحتماً سينتهي ، وعندئذٍ ستلفظُ الصحافةُ أدعياءها كما تُلفظُ النواة ؛ لأن الزبدَ سيذهبُ جفاءً ، ولخطورةِ ما آل إليه الحالُ أردتُ أن ألقيَ الضوءَ على بعضِ مقوّماتِ الصحفيِّ الناجح عسى أن يكونَ في ذلك ذكرى لمن كان قلبٌ أو ألقى السمعَ وهو شهيدٌ ، فأقولُ - وباللهِ التوفيق - : ثمة مقومّات ينبغي أن تتوافرَ لدى من أرادَ أن يُسجّلَ اسمه في ديوان من يحترمون أنفسهم من الصحفيين والإعلاميين ، من أهمها ما يلي :
- علوُّ الهمّةِ ، واستشعارُ قدسيّةِ المهنةِ ، والنظرُ إليها من منظورِ أنها رسالةٌ يجبُ أن تُؤدى على الوجهِ الذي ينبغي ، وأنَّ رقيّه مرتبطٌ برقيِّ ما يقدّمه وجوداً وعدماً .
- أن يكونَ من أصحابِ العقولِ الصحيحةِ ، والأفكارِ المستنيرةِ ، والضمائرِ الحيّةِ ، فيراقبُ الأحداثَ عن كثبٍ ، ويتفاعلُ مع ما يُثارُ من قضايا على الساحةِ الفكريةِ والثقافيةِ ، ويقرؤها قراءةً ناقدةً ، ويشاركُ فيها برأيه ، ويدلي فيها بدلوه ، مستخدماً عينيه أحسنَ ما يكونُ الاستخدامَ ، فبعينٍ يستكشفُ الداءَ ، وبالأخرى يبحثُ له عن الدواءَ ، فالصحفيون الحقيقيون هم أساةُ المجتمعِ وأطباؤه .
- أن يكونَ مرآةً للمجتمعِ تعكسُ الإيجابياتِ بهدف تنميتها وتشجيعها ، والسلبياتِ بهدفِ إقصائها وتغييرها ؛ ليتمكّنَ المجتمعُ من النهوضِ ، والمُضيِّ قُدماً في سبيلِ التطورِ والتقدمِ .
- أن يكونَ على علمٍ باللغةِ العربيةِ وقواعدها ، فالمعاني الجميلةُ تحتاجُ إلى مبانٍ أجمل لتزيّنها ، وعندئذٍ تُفتحُ لها القلوبُ والعقولُ ، ويصبحُ كاتبها نبراساً يضيءُ طريقَ من ينسجُ على منوالهِ ، ومن كان ضعيفاً في هذه الناحيةِ فليشمّرْ عن ساعديّ الجدِّ ، وليتداركْ ما فاته ، فالعلمُ بالتعلّمِ ، ولا يحولُ بينه وبين ذلك حياءٌ أو كِبرٌ .
- أن يبتعدَ كلَّ البعدِ عن التهوينِ والتهويلِ ، فلا يهوّنْ عظائمَ الأمورِ ، ولا يُهوّلْ سفاسفها ،وهما خصلتان من وُقيَ شرهما فقد وُقيِ ، بل يضعُ الأمورَ في نصابها ، وينزلُ أصحابها منازلها ، ويعطي كلَّ ذي حقٍّ حقّه ، ولا يكونَ من المطفّفين الذين إذا اكتالوا على الناسِ يستوفون ، وإذا كالوهم أو وزنوهم يُخسرون .
- أن لا ينسبَ إلى نفسه ما ليس له ، فلا يأخذْ من الأخبارِ ما خُطَّ بيدِ غيره ، ولا من المقالاتِ والأفكارِ ما قدح غيره فيها زنادَ فكره ، فبركةُ العلمِ أن يُنسبَ إلى قائله ، فإن كان ذلك كذلك وإلا فقدَ صاحبنا احترامه لنفسه من ناحيةٍ ، وسقطَ من أعينِ الناسِ من ناحيةٍ أخرى .
- أن لا يبيعَ قلمه بعرضٍ من الدنيا قليلٍ ، ولا يؤجّره لأفرادٍ أو مؤسساتٍ ، وإلا كان بوقاً يُنفخُ فيه ما أرادوا ، وعندئذٍ لا يُقامُ له وزنٌ ، ولا يعبأُ به أحدٌ .
- أن يجعلَ من قلمه ساعدَ بناءٍ ، لا معولَ هدمٍ ، فيتبنّى الأفكارَ البنّاءةَ ، والمبادئَ المعتدلةِ ، وينأى عن الأفكارِ الهدّامةِ ، والمبادئ المتطرفةِ التي تؤذنُ بخرابِ المجتمعاتِ ، وزوالِ الدولِ .
هذا غيضٌ من فيضٍ ، قليلٌ من كثيرٍ بيدْ أنَّ من أخذَ هذه المُقوّماتِ بعينِ الاعتبارِ يكونُ قد احترم ذاته ، وأعلى من شأنِ رسالته ، فتنحني له الرؤوس إكباراً وإجلالاً ، وتنبسطُ له أساريرُ الوجوهِ حفاوةً واستقبالاً ، ويصبحُ - بحقٍّ - نجماً يضيئُ في سماءِ الصحافةِ والإعلامِ ، أو فارساً من فرسانها يصولُ في ميدانها ويجولُ ، ويُشارُ إليه بالبنانِ ، ويُكتبُ اسمه بحروفٍ من نورٍ في سجلِّ الصحفيين الشرفاءِ الذين كُتبَ لما سطّروه البقاءُ .
تعليقات
إرسال تعليق