رَحِيلُ الشموسِ .
بقلم الدكتور عمران صبره الجازوي
إنَّ رحيلَ الشموسِ مما ينفطرُ له القلبُ ، وتبكي له العينُ خاصةً إذا كان الرحيلُ بلا عودةٍ ، ومن الشموسِ التي رحلت عن عالمنا الأستاذُ الدكتورُ محمد عمارة - رحمه الله - ذلك الرجلُ الذي كانَ يُعدُّ مدرسةً فكريةً متميزةً ، إذ تتلمذت على يديه جموعٌ غفيرةٌ من المفكرين والباحثين تارةً بالخطابِ ، وتارةً بالكتابِ .
لقد كان أستاذنا - رحمه اللهُ - عدلاً من عدولِ هذه الأمةِ ، ووارثاً من ورثةِ الأنبياء الذين لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً بل ورّثوا العلمَ ، فأخذَ أستاذنا منه بحظٍّ وافرٍ ، وكان على بصيرةٍ من ربه حيث استضاءَ بنورِ الوحيينِ ، ونهل من معينهما الصافي ، ثم انبرى للدفاعِ عن الإسلامِ ؛ لينفي عنه تأويلَ الجاهلين ، وانتحالَ المبطلين ، وتحريف الغالين ، فكان - بحقٍّ - شمساً من شموسِ الإسلامِ أذابت جليدَ شبهاتِ الطاعنين في الإسلامِ ، المتشكّكين في عقيدته ، فراموا تعكيرَ صفوها ، وتلويثَ نقائها ، فوقف لهم بالمرصادِ ، مبيّناً فسادَ نواياهم ، وخبثَ طويتهم ، وضعفَ مذاهبهم ، وأجلب عليهم بخيلِ الأدلةِ ورجلها ، ووقفَ حائلاً بينهم وبين ما يرومون من الإسلامِ وأهلهِ ، فكان كصخرةٍ تحطمت عليها كل آمالهم ، وقضى حياته مناضلاً ومدافعاً يزودُ عن بيضةِ الإسلامِ ، ومبرّئاً لساحته مما نُسبَ إليه زوراً ، أو وُصمَ به جهلاً ، حتى أجابَ رسولَ ربه ، وهو على هذه الحال ، فكان موته - كما يقولون - ثلمةً - أي شقٌّ أو خرقٌ - في الإسلامِ لا يسدّها شيءٌ ما اختلفَ الليلُ والنهارُ ، وبكت عليه السماءُ والأرضُ ، وأطُفئ نبراسٌ من نباريسَ العلم طالما استضاء به الباحثون ، واسترشد به السالكون ، الذين حزنت قلوبهم لفقده ، وذرفت عيونهم لرحيله ، ولكنَّ عزاءهم إن كانوا أرادوا له الدنيا ، أنَّ اللهَ أراد له الآخرةَ ، وكأنَّ لسانَ حالهم يقولُ : أردنا له أمراً ، وأرادَ اللهُ له آخرَ ، وما أرادَ اللهُ خيرٌ ، ولله درُّ القائلِ :
الأرضُ تحيا إذا ما عاشَ عالمها
متى يمتْ عالمٌ يمتْ طرفُ
كالأرضِ تحيا إذا ما الغيّثُ حلَّ بها
وإن أبى عادَ في أكنافها التلفُ
تعليقات
إرسال تعليق