اجعلْ بينكَ وبينَ اللهِ باباً .
بقلم الدكتور عمران صبره الجازوي
إنَّ المقارنَ بين حالنا وحالِ أسلافنا العظامِ - رحمهم الله - ليجد البونَ شاسعاً ، والشقّةَ بيننا وبينهم بعيدةً ، ولا أعني بذلك الطائعين منهم إذ لا مجالَ للمقارنةِ ، فواللهِ ما المجتهدُ فينا إلا كاللاعبِ فيمن كان قبلنا ، إذ كانوا أعرفَ باللهِ منّا ، وأشدَّ خشيةً له ، بل أعني العاصين الذين كانت نوازعُ الخيرِ عندهم أقوى من نوازعِ الشرِّ ، وكانوا أكثرَ حكمةً منّا ، وأرجحَ عقولاً ، فكان أحدهم إذا ما دعته نفسه إلى اجتراحِ السيئاتِ ، وإتيان المحظوراتِ لا يطرقُ أبوابها جملةً ؛ لئلا يغلقُ جميعَ الأبوابِ بينه وبين اللهِ - تعالى - بل يتركُ باباً مفتوحاً بينه وبينه عسى أن يدخلَ منه يوماَ ما .
يُحكى أنَّ عمرو بن سهيلٍ كان على سفرٍ هو وزوجته ، وفي أثناءِ الطريقِ اعترضهم قطاعُ الطرقِ ، وأخذوا كلَّ ما معهم من مالٍ وطعامٍ ، وجلسَ اللصوصُ يأكلون ما حصلوا عليه من مالٍ وزادٍ ، فانتبه سهيلُ بن عمروٍ أن قائدَ اللصوصِ لا يشاركهم الأكلَ ، فسأله : لماذا لا تأكلْ معهم ؟ ، فردَّ عليه : إني صائمٌ ، فدهش سهيلٌ ، فقال له : تسرقُ وتصومُ ؟!
قال : إنّي أتركُ باباً بيني وبين اللهِ لعلّي أن أدخلَ منه يوماً ما .
وبعدها بعامٍ أو عامينِ رآه سهيلٌ في الحجِ عند الكعبةِ متعلّقاً بأستارها ، وقد أصبحَ زاهداً عابداً ، فنظرَ إليه فعرفه ، فقال له : أو علمت من ترك بينه وبين اللهِ باباً دخلَ منه يوماً ما ؟
فانظر يا - رعاكَ اللهُ - إلى ثقتهم باللهِ ، وحسنِ معرفتهم به - سبحانه - ، وما أوتوه من حكمةٍ ورزانةٍ !
فيا كلَّ من استهوته الشياطينُ وتلطّخَ بوحلِ المعصيةِ ، وأغرته نفسه الأمّارةُ بالسوءِ باقتحامِ المعاصي ، وارتكابِ الموبقاتِ لا تغلقْ جميعَ الأبوابِ بينك وبين من لا يغيبُ عنه مثقالُ ذرّةٍ في الأرضِ ولا في السماواتِ ، بل اجعل بينك وبينه باباً مفتوحاً ، - والأبوابُ كثرٌ - ، وهو كريمٌ لا يردُّ سائلاً ، ولا يخذلُ قاصداً ، فإن أُغلِق في وجهك بابُ الصيامِ ، فاطرقْ بابَ الصدقةِ ، وإن أُغلِق فاطرقْ بابَ السعيِ على الأرملةِ والمسكينِ ، وإغاثةِ الملهوفِ ، ومساعدةِ الغارمين ، وإن أُغلِق فاطرقْ بابَ الإحسانِ إلى الفقراءِ والمساكين ، وإن أُغلِق فاطرقْ بابَ جبرِ خواطرِ الأنامِ ، والصلاةِ بالليلِ والناسُ نيامٌ ..... إلخ هذه الأبواب ، فأكثرْ قرعها ، ومن أكثرَ قرعَ البابِ يُوشكُ أن يُفتحَ له ، ولن يخيّبَ اللهُ أملَ من تعلّقَ به ، ولن يردَّ دعاءَ من رفعَ أكفَّ الضراعةِ إليه , ولِمَ لا ؟ ، وهو القائلُ : " ... من ذا الذي دعاني فلم ألبّه ؟ أم من الذي أناخَ ببابي فنحيّته ؟ أنا الفضلُ ومني الفضلُ ، أنا الجوادُ ومني الجودُ ، أنا الكريمُ ومني الكرمُ ، ومن كرمي أنّي أغفرُ للعاصين بعد المعاصي ، ومن كرمي أنّي أعطي العبدَ ما سألني ، وأعطيه ما لم يسألني ، ومن كرمي أنّي أعطي التائبَ كأنّه لم يعصني ، فأين عني يهربُ الخلائقُ ؟ وأين عن بابي يتنحّى العاصون ؟ رواه مسلمٌ وأبو داودُ .
تعليقات
إرسال تعليق