لا تنسوا الفضل بينكم ... بقلم الدكتور عمران صبره الجازوي

لا تنسوا الفضل بينكم  ...    

بقلم الدكتور عمران صبره الجازوي

إنَّ نسيان الفضل بين كلِ رفيقي دربٍ لهو الآفةُ التي تأكلُ أواصرَ القربى ، وتأتي على بنيان المحبةِ والمودّةِ من القواعدِ ، وتوصدُ باب الأوبةِ في وجهِ كلِّ من أراد الرجوعَ إلى صاحبه إبقاءً على العهدِ من ناحيةٍ ، واعترافاً بالفضلِ من ناحيةٍ أخرى  لذا أقول : 
إلى كل تلميذٍ تربّى على يدي شيخه ، وتتلمذ عليه تارةً بالخطابِ ، وأخرى بالكتابِ ، وأعطاه أستاذه ولم يضنّ ، وجاد عليه ولم يمنّ ، وكان لسانُ حاله يقول له كما قال الشافعي - رحمه الله - لتلميذه الربيع بن سليمان : لو قدرت أن أطعمك العلمَ لأطعمتك إياه . 
إلى كلِ شيخٍ عرف قدره تلميذه ، وبجّله ، واستأباه فوجده أباً شفيقاً ، واستعلمه فألفاه معلماً ناصحاً ، واتخذ سلوكه منهجاً يسيرُ عليه ، وهدىً يستنُّ به ، وجعل من أقواله نبراساً يستضيءُ به في ظلماتِ الجهلِ ، وغياهبِ العيّ ، ثم اختلفا في مسألةٍ ، أو تعارضا في رأيٍ " لا تنسوا الفضل بينكم " ، وتذكرا أن الاختلاف َفي الرأي لا يفسدُ للودِّ قضيةً ، ولله درُّ يونس الصدفي عندما قال : ما رأيتُ أعقلَ من الشافعي ناظرته يوماً في مسألةٍ ، ثم افترقنا ، ولقيني فأخذ بيدي ، ثم قال : يا أبا موسى ، ألا يستقيم أن نكون إخواناً ، وإن لم نتفق في مسألةٍ ؟! 
إلى كل زوجةٍ أفضت إلى زوجها ، وأخذت منه ميثاقاً غليظاً ، وائتمنته على نفسها وعرضها ، وكانت له رفيقةَ دربٍ ، وامتدحت طيّبه ، وتغاضت عن خبيثه ، شبعت فشكرت ، وجاعت فصبرت وسترت ، وكانت له أهلاً ... إلى كل زوجٍ أخذ زوجته بأمانِ الله ، واستحلَّ فرجها بكلمته ، وحاطها برعايته ، وكلأها بعنايته ، وكان على يقينٍ بأنَّ حسن الخلقِ معها لا في كفِّ الأذى عنها بل في تحملِّ الأذى منها ... ، ثم شاءت الأقدارُ أن تفرقَّ بينهما " لا تنسوا الفضل بينكم " ، وتذكروا ذلك الرجل الذي ذهب ليطلّق زوجته ، فسألوه عن سببِ طلاقها ، فقال : لا أتحدثُ عن زوجتي بما يسؤوها ، ولا أفشي لها سراً ، وبعد أن طلقها ، قالوا له : الآن طلقتها ، فأخبرنا عن سببِ طلاقك ، فقال : لا يحلُّ لي أن أتكلم عن امرأةٍ صارت أجنبيةً عني ، فاتقوا الله ، ولا تفشوا سراً ، أو تهتكوا ستراً ؛ ليغنيَ اللهُ كلاً من سعته . 

إلى كل أخّين أو صديقين اجتمعا في الله ، وتحابا من أجله ، وكان أحدهما إذا نسي اللهَ ذكّره أخوه ، وإذا ذكره أعانه على ذكره ، وكانت إخوتهما في الدينِ أقوى من إخوتهما في النسبِ ؛ لأن إخوةَ النسبِ تنقطعُ باختلافِ الدينِ ، ولا تنقطعُ إخوةِ الدين باختلافِ النسبِ ، وكان أحدهما مرآةً لأخيه يبصّره بعيوبه ، ويهديه لأرشدِ أموره ، مفتاحاً للخيرِ ، مغلاقاً للشرِّ ، ثم افترقا  " لا تنسوا الفضلَ بينكم " فإنكم اجتمعتما على الله ، وتفرقتما عليه ، فعساه أن يظلكم في ظله يومَ لا ظلَّ إلا ظله ، وكما اجتمعتما في الدنيا على طاعته ، فأرجو أن يجمع بينكما في الآخرة في دارِ مقامته ، ومستقرِّ رحمته .

تعليقات

المشاركات الشائعة