التسوّل بين المهنة والحاجة
د. عطية المسعودي
المقدمة:
تُعدّ ظاهرة التسوّل ظَاهرةً عالميّةً لا تختصُّ بوطنٍ بعينه، بل هي مُنتشرةٌ في كلّ بُلدان العالم الفقيرة والغنيّة، ويُعرَّفُ التّسول بأنّه طَلبُ الإنسانِ المالَ من الأشخاص في الطُّرق العامة، عبر استِخدام عدّة وَسائل لاستثارة شَفَقة الناس وَعطفهم، ويُعدّ أحدَ أبرز الأمراض الاجتماعية المُنتشرة الذي لا يخلو منها مُجتمع حول العالم.
من هنا ومن خلال الازمة الحالية علي مستوي العالم وبسبب فيروس كوفيد19( كورونا ) ومكوث كثير من الناس في منازلهم وخاصة العمالة غير المنتظمة ( عمال اليومية ) ظهر العديد من أصحاب الحاجة ممن لا يملكون لانفسهم مصدر دخل ثابت وبالتالي قد يلجأ الكثير منهم للتسول بحجة العوز والحاجة.
لذا وجب علينا التوعية والبحث والتنقيب عن اهل العوز والحاجة الاساسيين ممن لا يسألون الناس ولا يطلون ويجب التحري والدقة في مساعدتهم، والحذر كل الحذر من هؤلاء المتسولين.
لذلك سوف نتعرف في خلال السطور القادمة ماهية وانواع واسباب انتشار هذا الفيروس الخطير (التسول) وما هي الاثار والنتائج المترتبة عليه.
أولاً تعريفُ التسوّل:
يُعرّفُ الشّخصُ المتسوِّل بأنّه الشخص الذي يطلبُ من النّاس الإحسان، عبر مَدّ يده لهم وطلب الرزق سواءً أكان في المحلات أو الطّرق العامة.
ثانياً أنواع التسوُّل:
يُمكِن تقسيم التسوّل إلى عدّة أنواع هي:
1. التسوّلٌ المباشر: ويُسمّى أيضاً بالتسوّل الظّاهر وهو التسوّل الصّريح الذي يطلبُ فيه المتسوّل المال، ويتم عن طريق ارتداء ملابس ممزقّة ومتّسخة أو مدّ يده للمارة أو إظهارِ عاهةٍ مُعيّنة لديه، أو ترديد عباراتٍ مُعيّنة كعبارات الدّعاء التي تستثير عاطفة الناس أو الجمع بين أكثر من وسيلة منها.
2. التسوّل غير المباشر: ويُسمّى أيضاً بالتسوّل غير الظّاهر أو المُقنّع، وهو أن يستتر المُتسوّل خلفَ خدمات رمزيّة يقدّمها للناس؛ كدَعوتهم لشِراء بعض السِّلع الخفيفة كالمناديل الورقية أو مُمارسة عمل خفيف كمسح زجاج السيّارات أو الأحذية وغيرها.
3. تسوّل إجباريّ: هو التسوّل الذي يُجبر فيه المتسوّل على ممارسة هذا الفعل كحالات إجبار الأطفال على ذلك.
4. تسوّل اختياريّ: هو التسوّل الذي لا يَكون فيه المتسوّل مضطرّاً لشيء سوى رغبته في كسب المال.
5. تسوّل موسميّ: هو التسوّل الذي يكونُ في المُناسبات والمواسم فقط كمواسم الأعياد وشهر رمضان.
6. تسوّل عارض: هو التسوّل الذي يكونُ طارئاً وعابِراً لحاجة ماسّة حلّت للشخص؛ كالشّخص الذي ضلّ طريقه أو أضاع أمواله في الغربة، حيثُ ينتهي هذا النّوع من التسوّل بانتهاء حاجة الشخص المُتسوّل.
7. تسول الشخص القادر: هو التسوّل الذي يُمارسه الشّخص المُقتدر على العمل والكسب، لكنّه يُحبّذ التسول.
8. تسوّل غير القادر: هو التسّول الذي يُمارسه الشّخص العاجز أو المريض والمتخلّف عقلياً؛ حيثُ يوضعُ في دور الرعاية المُخصّصة له حين القبض عليه.
9. تسوّل الجانح: هو التسّول الذي تُصاحبه أفعالٌ إجرامية كالسّرقة؛ حيثُ يُسهّل غطاء التسوّل على المتسوّل مُمارسة هذه الأفعال الإجرامية.
ثالثاً أشكال التسوُّل:
يَستخدمُ المُتسوّلون أشكالاً مُختلفةً للقيام بالتسوّل، ويتّخذون كثيراً من الطرق والحيل للحصولِ على المال ويتفنّنون في ذلك، ومن هذه الأشكال:
1. إظهارُ الحاجة الماسّة للناس عبر البكاء، كأن يَدّعي المتسوِّل أنّه عابرُ سبيل ضاع ماله أو نفد، فيطلب من الناس المساعدة.
2. انتحالُ بعضِ الأمراض والعاهات غير الحقيقية عبر الخداع والتّمويه؛ كاستخدام المستحضرات التجميلية مثلاً لاستثارة عواطف الناس.
3. طلبُ التّبرعات؛ لأجلِ مشروعٍ خيري كبناءِ المساجد أو المدارس ونحوها.
4. ادّعاء الشخص إصابته بالخلل العقليّ عبر التلفّظ بعباراتٍ غير مفهومة أو التلويح بإشاراتٍ مُبهمة؛ لكسب شَفقة النّاس وأموالهم.
5. اصطحاب الأطفال خاصّةً الأطفال الذين يُعانون من خللٍ أو إعاقة مُعيّنة إلى أماكن مُعيّنة يرتادها الناس بكثرة كالمساجد والأسواق؛ لكسب عواطف الرّحمة والعطف لدى الناس.
6. استئجار أطفالٍ واستخدامهم كوسيلة للتسول مع دفع مقابلٍ لأسرة الطفل؛ حيثُ يقومون بعمل عاهات مُصطنعة للأطفال غالباً ما تكون باستخدام أطراف صناعية مشوّهة لاستغلال مشاعر النّاس وعطفهم عبر إظهار وثائق رسميّة وصكوك غير حقيقيّة لحوادث وهميّة يَلزم دفعها كفواتير الماء والكهرباء، أو وصفات الأدوية.
رابعًا أسباب التَّسوُّل:
فيما يلي ذكر لاهم الاسباب التي تؤدي إلي التسول
1. ازدياد الفقر وانتشاره ليشمل أعداداً أكبر في المُجتمعات.
2. ازدياد نسب البطالة لدى الشّباب.
3. ضعف التوكِّل على الله والثّقة برزقه؛ حيثُ ضمِن الله للكائنات جميعاً رزقها، قال تعالى: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)، كما قال سبحانه وتعالى: (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ* فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ).
4. تفضيلُ بعضِ النّاس الراحة والكسل على العمل والنشاط، ممّا يدعوهم للتسوّل باعتبارها حِرفةً مُريحة ومُجدية.
5. تراجُع الدّور الاجتماعي بين النّاس في المُجتمع، وغيابُ الشّعور بالعدالة الاجتماعية.
6. تشجيعُ بعضِ النّاس للمتسوّلين؛ إذ يغلبهم شعور الرأفة والعطف فيُعطون دون تردّد ظنّاً منهم أنّ ذلك تَطبيقٌ لقولِ الله تعالى: (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ).
7. غياب عدالة القانون وعدم تطبيقه، والأخذ علي يد هؤلاء المتسولين.
حيث أنه من أمن العقوبة أساء الأدب، وبالتالي يزداد الأمر بهذا الشكل القبيح.
خامسًا الآثار المترتبة التسول:
نستطيع القول بأن ظاهرة التسوّل تؤثّر بشكل سلبي على المجتمع ككل، إذ تقود أبناءه إلى العزوف عن العمل؛ وذلك بسبب احتراف التسوّل من قِبل العديد من أفراده، الأمر الذي يدفعهم إلى الكسل والدعة.
ويمكننا تلخيص الأضرار الناتجة عن ظاهرة التسول في عدة نقاط على النحو التالي:
1. التأثير السلبي على الاقتصاد بشكل عام: حيث تؤثر ظاهرة التسول في ضعف اقتصاد المجتمع، والتأثير السلبي على إنتاجيّته، بالإضافة إلى حصول المتسوّل على الأموال دون أيّ جهد أو عناء يُذكر، وبالتالي فإنّ المتسوّلين يحرمون مجتمعاتهم من الأعمال المُنتجة والتي يُفترض إنجازها بدلاً من تسوّلهم، وكذلك فإنّ انتشار المتسوّلين في كلّ مكان يؤدّي إلى تشويه صورة البلاد في نظر زوّارها وسيّاحها.
2. التأثير السلبي على المتسول نفسه: إذ تؤدّي إلى إهدار كرامته الإنسانية، وشعوره بحالة من الذلّ، كما أنّ اعتياده على هذه الحالة تسهّل على الآخرين إخضاعه لكلّ شيء يُريدونه، واستغلاله فيما يضره فكرياً (كالإرهاب وغيره...)
3. زيادة معدل الجرائم في المجتمع: حيث تؤدّي مشكلة التسوّل إلى ازدياد معدّلات الجرائم داخل المجتمع، الأمر الذي يتسبّب في تهديد خطير على المجتمع، والإخلال بأمنه واستقراره، حيث تقوم عصابات المتسوّلين بعمليّات السرقة، والنصب، والاحتيال على الآخرين، والاعتداء على مُمتلكاتهم، ويترتّب على هذا انتشار حالة من الفوضى وعدم الاستقرار، والمساس بسلامة وأمن الوطن، والمواطنين.
4. الانحراف: حيث يقود التسوّل إلى الانحراف الأخلاقي، والفكري، والسلوكي، واحتقار عادات المجتمع، وتعاطي المخدرات، والشذوذ الجنسي وغيرها، ويُذكر أنّ أسباب الانحراف تعود إلى الإحباط النفسي الناجم عن الفقر والحاجة.
5. خطورة التسول عقائدياً: حيث يُشكل التسوّل خطورةً كبيرةً على عقيدة المتسوّل، إذ إنّ امتهان التسوّل كحرفة، والحرص عليه لجني الأموال دليلٌ على عدم الثقة بالله تعالى، فالله تعالى تكفّل بأرزاق مخلوقاته وعباده، وحثّهم على الأخذ بالأسباب التي تجلب الرزق لهم، إلّا أنّ المتسوّل استبدل عون الله في الرزق بمدّ يده إلى الناس، ونسي قول الله عز وجلَّ:(وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ).
سادسًا علاج ظاهرة التَّسوُّل:
تَضعُ الدّول الكثير من الخُطط لمُجابهة آفة التسّول ومنع انتشارها؛ كونها قد تَزيد احتمالَ الجريمة في المُجتمع ممّا يتطلّب وجود وسائل علاجٍ مُجديةٍ وقوانين رادعة، ومن هذه الوسائل ما يلي:
1. إجراء الدّراسات الاجتماعية اللازمة للكشف عن الأسباب الحقيقيّة للمشكلة وأسباب انتشارها، وطرحُ توصياتٍ للحد منها.
2. توعية المُجتمع بالمُشكلة وآثارها من خلال نشرِ برامج التّوعية حول التّسول وآثاره ومضارة سواءً عبر وسائل الإعلام أو عن طريق عقدِ ورشاتٍ توعويّةٍ لأفراد المجتمع، ليكون المُجتمع مُسانداً حقيقاً في عمليّة مكافحة الظّاهرة.
3. دعمُ المراكز المتخصّصة بمُكافحة التسوّل عبر رفدها بعَددٍ مُناسبٍ من الموظّفين المؤهلين، وزيادة عدد هذه المراكز والسّعي لانتشارها في الأماكن التي تكثُر فيها الظّاهرة.
4. وضعُ القوانين الرّادعة، وتطبيقها دون تراخٍ على من يقفُ خلفَ هذه المجموعات، ويستغلُّها لتحقيق مكاسب شخصية.
5. تفعيل دور الشّرطة وإشراكهم في عملية القبض على المتسوّلين.
6. تشجيعُ قيمة التّكافل الاجتماعي ونشرها بين أفراد المجتمع، ليشعر النّاس بالمُحتاجين ويُقدّموا لهم العون كي لا يضطرّوا لطرق باب التسوّل، وذلك عبر تقديم التبرّعات من خلال جماعة المساجد ومجالس الحي.
7. رفد الجمعيّات الخيرية ودعمها بالمساعدات النقدية والعينيّة لكِفاية المُحتاجين وإبعادهم عن التسوّل.
8. عدم إعطاء المتسولين أي مبالغ، وكذلك التحاور معهم بأسلوب راقي وتوعيتهم قدر المستطاع فإن لم يستجب نتركه.
شكن ايجابيا، وانشر الوعي، واحرص علي تحري الدقة في الوصول لاصحاب الحاجة من المتضررين والمتعففين واهل الحياة وعدم سؤال الناس.
تعليقات
إرسال تعليق