علّمني كورونا .
بقلم الدكتور عمران صبره الجازوي
علّمني كورونا أنَّ البشريةَ مهما أُوتيت من علمٍ ، وأُتيحَ لها من تقدمٍ لا يمكنُ لها الاستغناءَ عن اللهِ - عزَّ وجلَّ - ، وليس لها أن تخرجَ عن ربوبيته ، ولا أن تستغنى عن لطفهِ ورحمته .
علّمني كورونا أنَّ ثمة نواميسَ وقوانينَ إلهيةً ليس للبشريةِ أن تخرجَ عنها ولا أن تخالفها مهما بلغَ عتّوها ، وازدادَ تجبّرها ؛ لتستشعرَ ضآلةَ حجمها ، وقلةَ حيلتها أمامَ بارئها - سبحانه وتعالى - .
علّمني كورونا أنَّ علمَ البشريةَ ، وإن استطاعت أن تنفذَ به من أقطارِ السمواتِ والأرضِ إلا أنّه يدورُ في دائرةِ القليلِ مصداقاً لقوله تعالى : { وما أُوتيتم من العلمِ إلا قليلاً ... } سورة الإسراء آية / 85 لذا لما وقعَ العصفورُ على حرفِ السفينةِ التي ركبها موسى - عليه السلام - والخضرُ ونقرَ نقرةً أو نقرتين في البحرِ قال الخضرُ لموسى : يا موسى ما نقصَ علمي وعلمك من علمِ اللهِ إلا كنقرةِ هذا العصفورِ في البحرِ .
علّمني كورونا أنَّ الإنسانَ ليسَ له قيمةٌ إلا في النظامِ الإلهي ، ذلك النظامُ الذي أناطَ مسئوليةَ الشعوبِ بأعناقِ حكّامها ، وحثّهم أن ينصحوا لهم ولا يغشّوهم ، وأن لا يدخروا وسعاً في العملِ على صالحهم ؛ لأنهم رعاةٌ ومسئولون مسئوليةً كاملةً عن رعيتهم ، وكما قال - صلى الله عليه وسلم - : " كفى بالمرءِ إثماً أن يضيّعَ من يقوتُ " ، ولله درُّ أميرِ المؤمنين عمر بن الخطابِ - رضي الله عنه - عندما استشعرَ عِظمَ مسئوليته تجاهَ الحيوانِ فضلاً عن الإنسانِ ، فقالَ : لو عثرت بغلةٌ في العراقِ لسألني اللهُ - تعالى- عنها لِمَ لمْ تمهّدْ لها الطريقَ يا عمرُ ؟
بخلافِ تلك الأنظمةِ الوضعيةِ كالرأسماليةِ مثلاً التي تلغي إنسانيةَ الإنسانِ ، وتسلبه هويته ، وتجعلُ قيمته لا تساوي أكثرَ من قيمةِ الشيءِ ، وقد أعلنَ ذلك صراحةَ رئيسُ الوزراءِ البريطاني بوريس جونسون عندما اجتاحَ فيروسُ كورونا المملكةَ المتحدةَ ، فقال لبني شعبه - غيرَ مبالٍ بحياتهم أو موتهم - : استعدوا لفراقِ أحبائكم .
علّمني كورونا أنَّ الرسائلَ الإلهيةَ إلى البشريةِ لا تنتهي ، وإن كان قد انقطعَ الوحي ، وخُتمت النبوة إلا أنَّ اللهَ - سبحانه وتعالى - تارةً يتجلّى بقدرته فيرينا عجائبها ، وثانيةً بقاهريته فيخضعُ له الكونُ طوعاً أو كرهاً بالإذعانِ والخضوعِ ، وبالتضرعِ والخشوعِ ، وثالثةً برحمته ؛ ليردّنا إليه مردّاً جميلاً ، فيبتلينا بالمصائبِ ؛ ليطهّرنا من المعائبِ .
علّمني كورونا أنَّ التوكلَ على اللهِ لا يتنافى مع الأخذِ بالأسبابِ ، وأنَّ ذلك لا يعني ضعفَ الإيمانِ ، أو اهتزازِ العقيدةِ ، وأن أقرعَ أبوابَ السماءِ آناءَ الليلِ وأطرافَ النهارِ ، فلا يردُّ القضاءَ إلا الدعاءُ .
تعليقات
إرسال تعليق