رواية
جدائل الصبر ... إيمان كريمين
" الخريف ربيع الكلمات "
بقلم/سليم النجار
متابعة/لطيفةالقاضي
يوشكّ المقدّس أن يدخل في حالة اشتباك معرفي مع الخيال وجدل مع اللغة الروائية ؛ لعل هذا ما يمكن ان يفتتح المتلقي ذهنه من اول سطر يتابعه في رواية " جدائل الصبر " للكاتبة إيمان ؛ ويبرز تساؤل للخيال ماهو وضعية المقدّس ؟! هو قيمة معيارية غير حيادية ؛ أمّا الخيال فحركة حرّة ؛ مساحة مفتوحة على البديهيات ؛ ليس لها حدود ولا تخضع لقيود أو حتى قانون .
ننطلق في هذا العنصر من السؤال التالي : هل ساهم النصّ الرّوائي في التأسيس لظاهرة المقدّس ؟ ؛ وهو سؤال نراه حقيقا بأن يضعنا في مواجهة مع علاقة المقدّس بالروائي ومدى استفادة الأول من المنجز الحكائي في الاساطير والملاحم التي حفلت بها النصوص الميثيولوجية القديمة من ألواح العهد السومري ( ٣٠٠٠ سنة ق . م. ) وحتى التعاليم البوذية ( ٦٠٠ ق . م. ) ؛ إضافة إلى نصوص الكتب السماوية الثلاثة . ولا شك أن هذا السؤال مُحال إلى سؤال آخر تتجلى صورته على الشكل الأتي : ماذا يبقى من النصّ الروائي لو حذفنا كلّ مراجعه الدّنية المقدّسة ؟ ؛ هنا لا نبحث عن إجابة تقليدية او نموذجية ؛ بل رواية " جدائل الصبر " للكاتبة إيمان كريمين قد تجد إجابة ما ؛ من خلال توظيفها انماط حكّي وفنون تخييل من الخزين المجتمعي : ( دخلنا غرفة المشعوذ وكانت كما هي في السابق ؛ سلّمَتْ عليه بإجلالٍ وتبجيل فردّ عليها بتعالٍ ص١٢٨ )١.
ان هيمنة سلطة المشعوذ على سلطة المقدّس هي التي تجعل حضوره خاضعاً لأحكام المنظومات التي تستنبته في أفكار الناس وسلوكهم : ( بدأ بقراءة التمائم ؛ فأغمضت عينيّ دون إرادةٍ مني ؛ وشعرت بوخزٍ في عنقي كلدغة نحلة ؛ وأخرى في فخذي . وبدا يمرر يده على جسدي ؛ من قدميّ حتى رأسي ؛ غبتُ عن الوعي لا أدري كم المدة ؛ ولم استفق من هذه الغيبوبة إلا على صفعة من يده أدركتْ بعدها أن ذلك النجس قد تمكّن مني ؛ لحظات لا ادري كيف مرّت عليّ إنهارت قواي تماماً ص١٢٩)٢.
وظاهر ممّا تقدم ان المعاجم اللغوية والمباحث الإنسانية ظلت رهينة نظرتها إلى المقدّس في تضادّه مع المدّنس ؛ فهي اكتفت برصد تجلّياته ؛ سواء على مستوى الفرد أو على مستوى الجماعة ؛ وهو ما نراه يقف بالمقدّس عند عتباته من دون الإحاطة بتأثيرته كظاهرة بشرية وبفاعلية كتجربة تُعاش وتُحكي ؛ هكذا تجلت الكاتبة إيمان في تصوير هذه القيمة روائياً على الشكل التالي : ( سلّموني ليد عمّي ليستلمني زوجي ؛ هكذا كانت طقوس الجنازة اقصد الزفاف . ثم أسُدلت الستارة عن باقي أحداث المسرحيّة ؛ وحُجِبَ الباقي عن نظرات المتفرجين ص١١٠)٣.
وبما أن اللغة ليست ثرثرة وهذراً للمعنى ؛ بأي حال : ( لا اريد تعليق حزني على حبال بَوحكِ المُدمي يا مجدولين فكلٌ منّا يشّد حبلىالألم على حوائط أيّامهِ ص١٤١) ٤. تكمن في هذه العبارةةجوهرٌ قلق ؛ ومن هنا تكون الكلمات دالّةّ تُخبئ المعنى لسرد أخر يحقق ما تسعى له الكاتبة ؛ في هذا العصر الحكائي الحديث : ( قصّة مجدولين قصّتي الاولى ؛ ولن تكون الأخيرة . فقيرناتي من الحائرات مازلن كُثر في هذه الدنيا . قلمي مازال ينبض بإحساسهن المتخم بالشجن ص٢٢٣) ٥ .
يرى الفيلسوف والشاعر والناقد الألماني الشهير فريدروك نيتشه ان اهم ما يميز الكاتب هو اسلوبه ؛ والأسلوب يجب ان يعيش ... كيف يمكن ان نفهم هذه العبارة او هذه الشذرة النيتشوية ... ربما قصد أن الاسلوب هو ما يميز الكاتب ولذلك على الكاتب أن يعمل على اكتساب اسلوب مميز وخاص به مما يخول له الاستمرارية والخلود ومعنى هذا ان التكرار والتشابه هو موت واندثار ؛ إذاً أين تكمن قيمة استخراج ملامح الرمزيةةالقائمة بين الأسلوب والحكاية ؛ في روايةة" جدائل الصبر " إنها تكمن في كونها تضعنا في جو اللحظة التي تنبثق فيها عناصر النص من جذورها : ( للرحيل كما الغياب رائحة تشبه رائحة الغصّة ؛ ومذاق الألم المعتّق تتذوّقه خلجات الرّوح والفؤاد ص٩) ٦.
للمكان سطوته على العمل الروائي إذ تخترق مقومات المكان والزمان تركيبة العمل الروائي التفاعلي أو بآخر بل في اغلب الأحيان هي من يمنح العمل الروائي أبعاده الدلالية والجمالية . وعندما يتحول الشارع إلى مكان الممارسة الروائية الحيّة تكون الاعمال الروائية في اغلب الأحيان تفاعلية وهي وثيقةةالصلة بالواقع الذي تتداخل فيه القضايا السياسية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية المختلفة بالمفردات الروائية التي تبلور رؤية الرّوائي / الروائية ؛ لواقعه ؛ : ( وبفضل الشارع أصبح الذهاب إلى المدرسة أكثر سهولة ؛ خصوصاً في فصل الشتاء ص٤٧) ٧.
تعليقات
إرسال تعليق