رفقاً بالقوارير ...
بقلم الدكتور عمران صبره الجازوي
إن الناظرَ في تاريخِ الأديان على مرِّ العصورِ ليجد أنه لا يوجدُ دينٌ - سماوياً كان أو وضعياً - أعلى من قيمة المرأة ، وحافظ على كرامتها من الامتهان مثلما فعل ديننا الإسلاميُّ الحنيفُ ، بيد أننا في هذا الأمر - وذا شأننا في كل الأمور الدينية إلا من رحم ربك - خالفنا تشريعاته ، وخلّفنا تعليماته وراءنا ظهرياً ، وها هي صيحاتُ القوارير تتعالى ، واستغاثاتهن تتوالى ، وقلوبهن تعتصرُ ألماً ، وألسنتهن تجأرُ إلى من بيده ملكوت السموات والأرض ؛ من تسلط الرجال عليهن ، وهضمهم لحقوقهن ، وإنزالهم لهن عن عروشهن ، واستبدال الإهانة بالتكريم ، والتحقير بالتبجيل والتعظيم ، الأمرُ الذي يجعلُ المتأمل يشعرُ بأن ثمة انتكاسةٌ إلى الجاهلية الأولى ، تلك الجاهلية التي لم تقم للمرأة وزناً ، ولم تعرفُ لأنوثتها قدراً ، وأسقطتها من حساباتها ، فأضحت بمثابةِ سلعةٍ تُباعُ وتُشترى ، أو دميةٍ يُستمتعُ بها ، ثم تُطرح على الثرى ، إذ عاد امتهانُ المرأةِ من جديد ، وتعددت مظاهره في زماننا على يدِ بعضِ الجهلاءِ ، أو مُدّعي التدينِ الذين ضلَّ سعيهم في الحياةِ الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً ، ومن أهمِ مظاهرِ امتهانها في زماننا هذا ما يلي :
1- تسلط الرجل عليها سواءً أكان أباً أو أخاً أو زوجاً إذ ثمة آباءٌ يكرهون إنجابَ البنات ، ويؤثرُون عليهن البنين ، مخالفين في ذلك قولِ رسولنا- ﷺ - : " لا تكرهوا البناتِ فإنهن الغالياتُ المؤنساتُ " ، فتجدُ أحدهم - ولا أعدني مبالغاً - إذا ما رُزق بأنثى يقيمُ مراسمَ العزاءِ ، ويملأُ الأرضَ سخطاً والسماءَ ، ويصدقُ فيه قولُ الله - عزَّ وجلَّ - : { وإذا بُشّرَ أحدهم بالأنثى ظلَّ وجهه مسودّاً وهو كظيمٌ * يتوارى من القومِ من سوءِ ما بُشّرَ به أيمسكه على هونٍ أم يدسّه في الترابِ ألا ساء ما يحكمون } سورة النحل آية 58-59 .
وقد يتسلطُ الأخُ على أخته فيمنعها من أن تتزوج من هو كفءٌ لها ، أو يحرمها كليةً من ميراثها الذي شرعه الله لها ، أو يبخسها حقها .
وقد يتسلطُ الزوجُ على شريكةِ عمره ، ورفيقةِ دربه إذ قد يكون ضعيفَ الشخصيةِ يشعرُ بالنقصِ إزاءها ، أو أن يكون غيوراً غيرته عمياءُ لا تبصرُ يقودها الشكُّ ، وعدم الثقة ، قتفقدُ المرأة عندئذٍ الشعورَ بالأمان ، فتملُّ حياتها ، وتكره نفسها ، أو يتسلطُ على مالها فيأخذه بالرغم من أن الإسلام قد جعل لها ذمةً ماليةً مستقلةً إن ضنت فهي غيرُ آثمة ، وإن جادت وساعدت كانت متصدقةً ، أو يرفعُ يده من تحملِ مسئوليةِ الإنفاقِ عليها ، وعلى أبنائها ، ويلقي المسئوليةَ برمتها على عاتقها ، ويتخلى عن أسٍّ من أسسِ القوامة التي أولاها له اللهُ - عزَّ وجلَّ - فتشيبُ المرأةُ في شبابها ، وتذبلُ زهورَ أنوثتها ؛ لعظمِ الحمل الذي تنوء به الرجال ، وبرغم ذلك ليتها تسلمُ من إذايته .
2- تسلطُ المجتمع عليها - خاصةً إذا كان المجتمعُ خلواً من أبجديات الثقافةِ والتدينِ - في حالةِ كونها مطلقةً ، فينظرُ الناسُ إليها نظرةِ ريبةٍ وشكٍّ ، وتثارُ حولها الأقاصيص والحكاياتِ دونما مراعاةٍ لمشاعرِ هذه المنكسرة ، ويحملونها وحدها مسئوليةَ الشقاقِ والفراقِ ، وقد تكون بريئة الأديم - متهمةً بما لم تفعل - ، أو لا حولَ لها ولا طولَ في تدمير عشِّ الزوجية إذ قد يكون أجبرها على الطلاق من بيده عقدةُ النكاح ، بالإضافةِ إلى كونها عرضةً لأن يطمعُ فيها من قلبه مرضٌ .
هذه هي بعضُ مظاهرِ تسلطِ الرجل على المرأة ، وهذا غيضٌ من فيضٍ ، قليلٌ من كثيرٍ ، فيأيها الرجالُ رفقاً بالقوارير ، اتقوا الله فيهن ، وأحسنوا معاملتهن فهن - أي الصالحات منهن - خيرُ ما زُرق المرءُ بعد تقوى الله - عزَّ وجلَّ - ، فما رؤي كالأنثى في الفضل ، فهي تدخلُ أباها الجنةَ طفلةً ، وتكملُ نصفَ دينِ زوجها شابّةً ، والجنةُ تحت قدميها أماً .
تعليقات
إرسال تعليق