نحوَ إعلامٍ هادفٍ ...
بقلم الدكتور عمران صبره الجازوي
إنَّ الإعلامَ لهو النافذةُ التي تطلعنا على مجرياتِ الأمور ومستجداتها من حولنا ، كما أنه المرآةُ التي تعكسُ واقعنا بإيجابياته وسلبياته - على حدٍّ سواءٍ - ، ولأهميته يمكنُ أن يكونَ أحد مقوّماتِ رفعةِ الأممِ وتقدمها حالما يكونُ هادفاً يعكسُ نبضَ الشعوبِ ، ويعبِّرُ عن آمالها وآلامها ، ويضعُ أمام المسئولين الحقائقَ جليةً واضحةً دونما تلبيسٍ أو تغريرٍ ، ولكن الناظرَ فيما آلَ إليه أمرُ إعلامنا ليجدُ ما يذهبُ نفسه حسراتٍ إذ أصبح - وللأسفِ الشديدِ - معولاً من معاول الهدمِ - إلا من رحم ربك - التي تأتي على بنيانِ الشعوبِ من القواعدِ ؛ لافتقاده المصداقية ، وعدمِ إعطاء صورةً حقيقيةً لمتطلبات الشعوب من ناحيةٍ ، ولتهويله سفاسفَ الأمورِ ، وتهوينه لعظائمها من ناحيةٍ أخرى .
ومما تجدرُ الإشارةُ إليه أننا في أمسِّ الحاجةِ إلى إعلامٍ هادفٍ يساهمُ في النهوضِ بوطننا الحبيب ، ويعملُ جاهداً في سبيل رقيّه وتطوره ما استطاع إلى ذلك سبيلاً ، ولن يتسنى لنا ذلك إلا بما يلي :
- فتحُ بابِ الإعلامِ على مصراعيه أمام المثقفين الذين يمتلكون من المقوّماتِ ما يؤهلهم للقيامِ بهذه المهمة ، وإقصاءُ المرتزقة ممن يُحسبون على هذا المجالِ زوراً ممن يدّعون الثقافةَ ، وهم خلوٌ منها ، فلا يحسنُ بنا الاعتمادُ عليهم إذا ما أردنا لوطننا رفعةً ، ولأبنائه رقيّاً وتقدماً .
- التحلي بالموضوعيةِ والصدقِ في عرضِ الصورةِ الحقيقيةِ للواقعِ ؛ ليسنى لنا الوقوفُ على نقاطِ الضعف فنتقيها ، وعلى نقاطِ القوةِ فننميها .
- ربطُ الأصالةِ بالمعاصرةِ إذ أن تاريخنا قد حوى العديدَ من الصفحاتِ المشرقةِ في كافةِ المجالاتِ ، فلنأخذ من ماضينا ما يعيننا على حاضرنا ؛ لنستشرف آفاقَ المستقبلِ ، ونسهمَ في وضعِ لبناتٍ في صرحِ الحضارةِ الإنسانية ، وهذا ليس بجديدٍ علينا ؛ لأننا - أقول ذلك تحديثاً بنعمةِ الله لا افتخاراً - سدنةُ العلمِ ، وصُنّاعُ الحضارات .
- إلقاءُ الضوءِ على النماذجِ المشرّفةِ في كافةِ المجالاتِ العلمية والثقافيةِ والأدبيةِ ، وإنزالهم منزلتهم اللائقةِ بهم ، وتقديمهم للشبابِ كقدوةٍ حقيقيةٍ ؛ لينسجوا على منوالهم ، ويقتدوا بهم في سيرهم وأفعالهم .
- عدمُ تسليطِ الأضواء على أراذلِ القومِ وأسافلهم ممن يُحسبون على الفن الذين ينشرون مساوئ الأخلاقِ ومنكراتها بحجةِ تمثيلِ الواقعِ ، فالواقعُ أحوجُ ما يكونُ إلى التعديلِ لا التمثيلِ .
- عدمُ عيشِ من تُوكل إليهم هذه المهمةِ في أبراجٍ عاجيةٍ ؛ لئلا تقفُ هذه العزلةُ حائلاً بينهم وبين من يتوسمون فيهم أن يكونوا أساةً - أي أطباء - لجروحهم ، أو شعاعاً من نورٍ لتحقيقِ آمالهم .
- تغليبُ مصلحةُ الوطنِ على المصالحِ الشخصيةِ ، ومتابعةُ سير المؤسسات والهيئاتِ عن كثبٍ ، والعمل على إيقاظِ ضمائرِ مسئوليها والعاملين بها ، وغرسُ روحِ الوطنيةِ في نفوسهم ؛ ليستشعروا عظمِ المسئوليةِ المُلقاةِ على عواتقهم ، ويقوموا بما يُمليه ذلك عليهم من أداءِ رسالتهم التي نيطت بأعناقهم خيرَ ما يكونُ الأداءُ .
هذه هي أهم الضوابط التي ينبغي علينا اتباعها في تقويمِ أودِ الإعلامِ واعوجاجه ؛ ليصبح إعلاماً هادفاً يبني ولا يهدمُ ، يسهمُ في رفعةِ الأوطانِ والشعوبِ ، ويدفعها إلى الأمام ، ولا يجرّها إلى الوراءِ ، فيكونُ عندئذٍ جناحاً من أجنحتها تستطيعُ أن تعتمدَ عليه إذا ما رامت التحليقَ في سماءِ التقدمِ والرقيِّ .
تعليقات
إرسال تعليق