///___ قصة
الـرجـــل الأخــــــر
بقلم ///___ابوايوب الزياني
الجزائر
مدخل( الى كل جندي بسيط لا يحمل أية رتبة عسكرية )
_حملتني خطاي المثقلات المتعبة إلى أن ادخلتني هذا المقهى الذي يسمونه (( مقهى السعادة )) قبيل غروب الشمس بقليل كان صاخبا تتزاحم فيه الأصوات وسحب دخان السجائر مع صوت الموسيقى المرتفع كان المكان مخصص للجلبة والفوضى . اقتربت قليلا مخترقاً الطاولات المبعثرة وطلبت فنجان قهوة وبالرغم من أنني لا أشرب القهوة
مساء إلا أنا هذا الجوى جعلني أغير هذه القاعدة واتقدم لأخذ فنجانا ألهب أصابعي من شدة السخونة مازاد في حيرتي وتورطي بدخولي إلى هذا المكان العفن هو أنني لم اجد مقعدا للجلوس لأرتشف كوب القهوة بكل راحة وبينما عيناي تمسح وتجول في أرجاء المكان بحثا عن مقعد رأيت رجلا يجلس لوحده في زاوية منعزلة والمدهش هو أن هذا الرجل يحتل طاولة وأمامه مقعد شاغر لم يتجرأ أحد لأخذه أو الجلوس معه ، سالت النادل من يكون هذا الرجل ولماذا يجلس لوحده: قال: عندما استلمت العمل بهذه المقهى وجدته جالس مكانه .
يقول الناس عنه إنه يقدم زوجته للغرباء مقابل أجر ،ويقولون عنه انه جاء من المدينة منذ زمن غير بعيد لان سكان المدينة المجاورة طردوه بسبب هذا العمل المشين، ويقولون أشياء أخرى ، قلت في نفسي مادام تناول فنجان قهوة الى جوار هذا الرجل لا يستغرق دقائق فما المانع من مشاركته الطاولة لبعض الوقت خصوصا انني منهك وفنجان القهوة الساخنة شوى أناملي ، تقدمت نحوه ومن دون استئذان أخذت الكرسي وجلست ،إستغرب الرجل هذا السلوك وشعر بالحرج قليلا رأيت نظرات الحاضرين وهمساتهم تخترقني وتتهمني في صمت وملئت حرجاً وخوفاً وقلت في نفسي مادمت قد دخلت هذا المقهى صدفة ولا يعرفني فيه أحد لا أبالي بكل هذه النظرات لكنني ازددت قلقا وحيرة وارتباكا من كثرة النظرات التي تتهمني بصمت ولم اجد ما اقنع به نفسي للبقاء فغادرت المقهى بصعوبة والعرق ويتصبب مني جراء الحرارة والدهشة إلى أن وجدت نفسي واقفا أمام باب المقهى مشدود الأعصاب ...آه مالذي جاء بي إلى هذا المكان ومالذي جعلني أجالس هذا الرجل المتهم من الجميع ؟ ..هل اجتمع الكل على إدانته ..؟ وهل هم محقون في ذلك ..؟ وبينما أنا في مد وجزر وضع الرجل يده على كتفي ازددت خوفا ورعبا كان وقع يده علي كأنه جبل التفت إليه أصبت برعب شديد ، كان مفتول العضلات قوي البنية قال لي اتبعني ومن رهبي حملت بقيتي وسرت وراءه مسلوب الإرادة تلوينا في أزقة فقيرة طويلا إلى أن وصلنا بيتا صغيرا وقف أمامه واستل مفتاحا وقبل أن يدخل أشار إلي أن انتظر ولما دخل عدت أدراجي مسرعا في رأسي سوى الهروب والنجاة من هذا المأزق الذي وضعتني فيه الأقدار وبينما أنا عائد اخترق اذني صوت اوقفني جامدا لا اقوى على الحركة طالبا مني العودة فعدت ولما تخطيت عتبة البيت استقبلتني دالية تتدلى منها عراجين عنب كأنها حبات لؤلؤ وقابلتني غرفة صغيرة تبدو لأول وهلة إنها للضيوف دخلتها بتوجيه منه وانصرف الرجل، نظرت للجهة الأخرى في الغرفة رأيت عجبا وأنا في أشد حالات التوتر ...طاولة صغيرة عليها وثائق كثيرة ورأيت بدلة عسكرية عليها ألوان زاهية وصور ملصقة على جدران لاناس لم اتبين ملامحهم كثيرا لقدم الصور ...آه أنه رجل غريب ومخيف حقا وعادت الي تساولاتي الاولى مالذي ادخلني للمقهى ؟ ..وكيف جلست مع هذا الانسان رغم تحذير الآخرين لي .. ؟ متى كنت أشرب القهوة مساء ؟ ...بقيت على هذا الحال حتى عاد الرجل الرجل يحمل ابريق شاي وكأسين ومن غير ترحيب قال لي : لقد قالوا لك إنه يقدم زوجته للغرباء مقابل أجر وقالوا لك إنه يقدم بناته للغرباء مقابل أجر وقالوا إنه يتقوت من بيع الشرف هم يقولون هذا لكل وافد غريب مثلك يجالسني ...آه كم يظلمون الناس .._. هذه غرفتي وهولاء رفقتي وأشار إلى الصور على الجدار ...ماتت زوجتي منذ أمد بعيد وهي تلد أول طفل لا زوجة لي أقدمها مقابل أجر اعيش مع امي ذات الثمانين عاما والمريضة على الدوام وهذي بدلتي كنت جنديا في القوات الخاصة مات الرفاق ولم يبقى لي سوى امي والذكريات وطأطأ رأسه ...لم أرى رجلا في حياتي يبكي كما رايته وهنا لم اجد مسلكا غير الهروب ولم اتملك نفسي وأحسست بنار تشتعل في كل جسدي غضبا وغيضا ولم استأذنه في الانصراف وبينما أنا اقطع المسافة بين الغرفة وباب الخروج والتي بدت لي آلاف الأميال اخترق اذني سعال أمه فزادني ألماً ظل يعصرني حتى بزوغ اول شعاع من الفجر وقررت أن لا ادخل مقهى بعد الان وأن أعانق كل جندي اصادفه .
تعليقات
إرسال تعليق