لماذا كورونا ؟
بقلم الدكتور عمران صبره الجازوي
إنَّ فيروسَ كورونا الذي داهمَ العالمَ أجمعَ ، وروّعه ، وأقضَّ مضجعه ، وأقامَ الدنيا ولم يقعدها لا يعدو أن يكونَ جنداً من جنودِ اللهِ - عزَّ وجلَّ - يحملُ رسالةً إلهيةً إلى تلك القطعانِ البشريةِ التي تنكّبت صراطَ اللهِ السويّ ، وشردت عن حظيرته ، وأصبحت كالعبدِ الآبقِ التي فارقَ سيّده ، وأطاعَ غيره ، تلك الرسالةُ التي تؤذنُ بأنَّ البشريةَ قد أصبحت على شفا جُرفٍ هارٍ إن لم تتداركْ ما فاتها ، وتُعيدُ حساباتها سينهارُ بها في الهاويةِ .
والسؤالُ الذي يطرحُ نفسه الآن : لماذا كورونا ؟
وللإجابةِ أقولُ : ثمّةَ أسبابٌ وقفت وراءَ مجيئه ، من أهمها ما يلي :
1- فسادُ المعتقدِ ، واهتزازه وتصدّعُ أركانه في قلوبِ متّبعيه ، وخبوتُ جذوةُ الإيمانِ في نفوسِ معتنقيه ، وردّةُ البشريةِ إلى عبادةِ الأصنامِ المعنويةِ لا الماديّةِ التي قد تتمثلُ في أفرادٍ ، أو جماعاتٍ ، أو هيئاتٍ ومؤسساتٍ تفرضُ هيمنتها ، وتحلُّ لأتباعها الحرامَ فيحلّونه ، وتحرّمُ عليهم الحلالَ فيحرّمونه .
2- فتحُ أبوابِ الفتنةِ عن طريقِ فتحِ المجالِ أمامَ كلِّ من يشكّكُ في معتقداتنا بغيةَ إفسادها ، والإتيانِ بمن ليسوا أهلاً لمناظرتهم ؛ لخلوّهم من المادةِ العلميةِ من ناحيةٍ ، وافتقادهم للحججِ والبراهينِ القطعيةِ من ناحيةٍ أخرى ، الأمرُ الذي جعلَ المشكّكين يظنون أنهم قد انتصروا ، ولكن هيهات فلن تخلوَ الأرضُ من قائمٍ لله بحجةٍ من الأئمةِ العدولِ الذين ينفون عن دينِ اللهِ تحريفَ الغالين ، وانتحالَ المبطلين ، وتأويلَ الجاهلين .
3- إقصاءُ القوانينِ الإلهيةِ ، والاستعاضةُ عنها بالأحكامِ الوضعيةِ تلك الأحكامُ التي لا ترقبُ في الناسِ إلّاً ولا ذمةً ، بل صيغت لأمةٍ على حسابِ الأممِ الأخرى ، وأكدت على قانونِ الغابِ - وأعني به قانونَ البقاءِ للأقوى - دونَ النظرِ بعينِ الرحمةِ إلى الشعوبِ المستضعفةِ التي اقتضى سوءُ أوضاعها السياسيةِ والاقتصاديةِ خلودها إلى الأرضِ ، ولم يقوَ جناحاها على حملها للتحليقِ في سماءِ التقدمِ والتطورِ .
4- تردّي الأخلاقياتِ وانحطاطها ؛ لاستبدالنا مساوئ الأخلاقِ بمكارمها ، فحلَّ الشحُّ والبخلُ محلَّ الجودِ والكرمِ ، والحسدُ والبغضاءُ محلَّ الغبطةِ والمحبةِ ، والدياثةُ والوضاعةُ محلَّ الغيرةِ والكرامةِ ، والخبثُ والنجاسةُ محلَّ الطهرِ والعفافِ ، واستعضنا عن صلةِ الأرحامِ بقطعها ، وعن الوفاقِ بالشقاقِ ، وعن الإيثارِ بالأُثرةِ - أي حبِّ النفسِ - ، وعنِ الوفاءِ بالوعودِ بخُلفها ، وعن احترامِ المواثيقِ بنقضها ، وحلّت سفاسفُ الأمورِ محلَّ عظائمها ... إلخ .
5- وضعُ من يستحقُ التكريمِ من العلماءِ في شتّى المجالاتِ الدينيةِ والدنيويةِ ، ورفعُ من ليسوا أهلاً للرفعةِ ، فقُلبت حينئذٍ الموازينُ ، واختلّت المعايير ، ولم تُوضعُ الأمورُ في نصابها .
هذه هي أهمُ الأسبابِ التي اقتضت مجئِ الرسالةِ الإلهيةِ إلى القطعانِ البشريةِ ، والتي دقّت ناقوسَ الخطرِ ، وحملت في طيّاتها ضرورةَ رجوعِ البشريةِ إلى الحظيرةِ الإلهيةِ ، والالتزامَ بالمنهجِ الإلهي الذي اختطه ربنا لنا وساعتها سنستشعرُ قوله تعالى : { وإن عدتم عدنا ... } سورة الإسراء آية- 8، فالعبدُ الآبقُ ليس كالعبدِ المطيعِ ، وليس من يمشي مُكبّاً على وجهه أهدى ممن يمشي سويّاً على صراطٍ مستقيمٍ .
تعليقات
إرسال تعليق