الأعمالُ الخيّريّةُ بينَ السريّةِ والجهريّةِ
بقلم الدكتور عمران صبره الجازوي
إنَّ الأزماتِ والشدائدَ لمظهرةٌ لمعادنِ الناسِ ، فالناسُ - كما قال ﷺ - معادنُ كمعادنِ الذهبِ والفضةِ ، وظهرَ ذلك جليّاً فيما يمكنُ أن نطلقَ عليه " أزمةُ كورونا " ، فبعدَ تفشّي هذا الفيروس وانتشاره ، الأمرُ الذي ترتب عليه تعطلُ الكثيرِ من المصالحِ والمؤسساتِ الحكوميةِ والخاصةِ على حدٍّ سواء ، وأصبحَ الفقراءُ ومحدودو الدخلِ بحاجةٍ ماسةٍ إلى مدِّ يدِّ العونِ الحانيةِ التي تربّتُ على أكتافهم ، وتهمسُ في آذانهم قائلةً : لا تقلقوا فثمةَ إخوةٌ لكم سخّرهم اللهُ للوقوفِ بجانبكم ، ولن يتخلّوا عنكم فاطمئنوا . وهبَّ على إثرِ ذلك أصحابُ المروءات ، وذوي الفضلِ ممن أفاء اللهُ عليهم بتوسعةِ أرزاقهم ليترجموا أقوالهم إلى أفعالٍ ، وانتشرَ ذلك على وسائلِ التواصلِ الاجتماعي ، فوجدنا أحدَ القائمين على الأمرِ يقول : تبرّعَ فلانٌ بكذا ، وآخرُ يقولُ : تكفّلَ فلانٌ بكذا ... إلخ هذه العباراتِ ، وانقسمَ الناسُ حِيالَ المتبّرعين والمتصدّقين إلى قسمين :
أولهما : مؤيدٌ لفعلهم ، ولإعلانهم ذلك على الملأِ ، والثاني : مشكّكٌ في نواياهم ، ومُصوّبٌ لسهامِ الاتهامِ إليهم بأنهم ما أرادوا - عياذاً باللهِ - من ذلك إلا ثناءَ الناسِ عليهم ، والحظوةَ لديهم ، وكلا الفريقين قد جاوزَ الصوابَ ، فأقولُ للأول :
إنّ إبداءَ الصدقاتِ ، وإن كان جائزاً إلا أنه مشروطٌ - تصحيحاً للنيةِ - بعلمِ باذلها أنه إذا أظهرها صارَ ذلك سبباً لاقتداءِ الخلقِ به في إعطاءِ الصدقاتِ فيتنفعُ الفقراءُ بها ، وإلا فإخفاؤها أفضلُ من إعلانها ، قال تعالى : { إن تبدوا الصدقاتِ فنعمّا هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراءَ فهو خيرٌ لكم ... } سورة البقرة آية 271 .
وأقولُ للثاني : هلّا شققتم عن قلوبهم ، وعلمتم أنهم يبغون من وراءِ ذلك الجاهَ والصيتَ والسمعةَ ، أو تحقيقَ مكاسبَ سياسيةٍ أو اجتماعيةٍ ؟! فذلك أمرٌ بينهم وبين رازقهم ، وحسنُ الظنِّ أسلمُ عاقبةً من سؤئه .
لهذه الأمورُ مجتمعةً كان لابدَ من التنبيهِ على أمورٍ تتعلقُ بالأعمالِ الخيرية ، من أهمها ما يلي :
1- الحرصُ على تحقيقِ الإخلاصِ في الأعمالِ التي يُقصدُ بها التقربُ إلى اللهِ - عزَّ وجلَّ - ، وإلا فاللهُ - سبحانه وتعالى - أغنى الأغنياءِ عن الشركِ إذ قد جاءَ في الحديثِ القدسي : " من عمل عملاً أشركَ فيه معيَ غيري تركته وشركه " رواه مسلمٌ ، وفي روايةٍ لابنِ ماجة " فأنا منه برئٌ ، وهو للذي أشركَ " ، فاجتهدوا يا رعاكم اللهُ في تحقيقِ الإخلاص حتى لا تصبحَ أعمالكم كسرابٍ بقيعةٍ يحسبه الظمآنُ ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ووجدَ اللهَ عنده فوفّاه حسابه .
2- أن يكونَ المالُ المُتصدّقَ به حلالاً ، فالله - سبحانه وتعالى- طيبٌ لا يقبلٌ إلا طيّباً ، وعليه فينبغي أن يكونَ مالك حلالاً خالصاً لا شبهةَ فيه .
3- ضرورةُ حفظِ ماءِ وجوهِ الفقراءِ ؛ جبراً لخاطرهم ، ومنعاً لإحراجهم ، فثمة متعفّفون يستحون من أخذِ الصدقاتِ إذا ما أُعلنت ، وإذا كان اللهُ لم يُعبدْ بشيئٍ أحبَّ إليه من جبرِ الخواطرِ ، فلم يُعص بشيئٍ أبغضَ إليه من كسرها .
4- علمُ الأغنياءِ من المتبرّعين والمتصدقين بأنَّ حاجتهم إلى الفقراءِ أمسُّ من حاجةِ الفقراءِ إليهم ، ولِمَ لا ؟ وهم لا يُنصرون ويُرزقون إلا بهم ، قال - ﷺ - : " هل تُنصرون وتُرزقون إلا بضعفائكم " رواه البخاري .
5- ليعلمْ الأغنياءُ بأنَّ اللهَ سيظهرُ أعمالهم للناسِ ، ويضعُ في قلوبهم محبتهم . قال - ﷺ - : " لو أنَّ أحدكم يعملُ في صخرةٍ صمّاءَ ليس لها بابٌ ولا كوة - أي فتحة - يخرجُ عمله للناسِ كائناً ما كان " رواه أحمدُ ، فلا تبالوا بإظهارِ الخلقِ لأعمالكم ؛ لئلا يوقعكم ذلك في العُجبِ الذي يُحبطُ أعمالكم .
تعليقات
إرسال تعليق