إلامَ تحتاجُ أمتي ؟ بقلم الدكتور عمران صبره الجازوي
إلامَ تحتاجُ أمتي ؟
بقلم الدكتور عمران صبره الجازوي
إن أمتي الآن أضحت عليلةً تعتورها الأدواء ، وينتابها الإعياءُ خاصةً بعدما حقق الاستعمارُ الغربيُّ بغيته فيها إذ قام - بمعاونة المستشرقين الذين هم طليعةُ جيشه - بتقسيمها إلى دويلاتٍ متناحرةٍ ، وأثار فيها النعراتِ القبليةِ والقوميةِ المنبوذة ، وعمل على إذكاءِ نارِ الفتنةِ بين أبنائها ، وكلما خمدت أشعل فتيلها مراتٍ ومراتٍ الأمرُ الذي يحتّمُ على المخلصين من أبنائها وحملةِ همومها القيام بحركاتٍ إصلاحيةٍ على كافة المستويات الدينيةِ ، والفكرية ، والاجتماعيةِ ، والتعليميةِ ، والثقافيةِ والأخلاقيةِ... إلخ بهدفِ توحيدِ الصفِ ، ورأبِ الصدعِ ، وتضييقِ مساحاتِ الخلافِ ، وفي هذا المقالِ محاولةٌ لتشخيصِ الداءِ ، وتحديدِ الدواءِ؛ لتؤتي محاولاتِ الإصلاحِ ثمارها .
إلامَ تحتاجُ أمتي ؟
تحتاجُ أمتي إلى تصحيحِ معتقداتها التي أصابها رذاذُ الشركِ ، واعترتها أدرانُ الإلحادِ ؛ لكثرة الملحدين الذين جاسوا خلال الديارِ ، وأخذوا على عواتقهم تشكيكَ الناسِ في معتقداتهم ، وزعزعةِ أفكارهم ، واستماتوا في الدفاعِ عن عقائدهم مع بطلانها إذ لم يتركوا فجاً إلا سلكوه ، ولا باباً إلا طرقوه ، فلابد من إقصائهم ، وكشف شبهاتهم .
تحتاجُ أمتي إلى تقويةِ يقين أبنائها بأن ما أصابهم لم يكن ليخطئهم ، وما أخطأهم لم يكن ليصيبهم ؛ ليقلَّ التشكي والتبكي من سوءِ الأحوالِ ، وتردي الأوضاعِ ، وتوضيحِ طريقِ العودةِ إلى الله ، والحثِّ على سلوكه ، والوصولِ يهم إلى الإيمانِ الصحيحِ ، وتقوى الله وعندئذٍ ينعدمُ الفقرُ ، ويختفي الاحتياجُ ، وتُفتحُ عليهم بركاتٌ من السماءِ فيأكلُ الناسُ من فوقهم ومن تحتِ أرجلهم ، قال تعالى :{ ولو أنَّ أهلَ القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركاتٍ من السماءِ والأرضِ ... } سورة الأعراف، آية - 96
تحتاجُ أمتي إلى تقويةِ مناعتها الفكرية حتى لا تجدُ الأفكارُ الهدّامةُ ، والفلسفاتُ الماديةُ إلى عقولِ أبنائها سبيلاً .
تحتاجُ أمتي إلى غلقِ البابِ أمام ما يُصدّرُ إلينا من أخلاقياتٍ ما أنزل الله بها من سلطانٍ ، وأطبقت على تحريمها كلُّ الأديانِ السماوية ، وتأنفُ منها الطبيعةُ البشريةُ السويّةُ كالشذوذِ والعريِّ والخلاعةِ والدياثةِ والمجونِ ... إلخ .
تحتاجُ أمتي إلى تقويةِ الوازعِ الدينيِّ ، وتعريفِ الناسِ بربهم ، وإقامةِ الجسورِ التي تهدمت بينه وبينهم حتى يكونَ إقدامهم على فعلِ أوامره رغبةً فيما عنده من ثوابٍ ، وإحجامهم عن فعلِ نواهيه رهبةً مما عنده من عقابٍ .
تحتاجُ أمتي إلى تنقيةِ العاداتِ والتقاليدِ ووزنها بميزان الشرعِ فما وافقَ شرعَ الله أقررناه ، وما خالفه نحيّناه وأقصيناه ، وأن يكونَ مردُّ التقبيحِ والتحسينِ إلى الشرعِ ، وعدم إقامةِ الوزنِ للأعرافِ والعاداتِ التي تخالفه .
تحتاجُ أمتي إلى إصلاح المناهجِ الدراسيةِ ، وربطها بالمعتقداتِ الصحيحةِ ،وإسقاط ذلك على واقعِ الحياة ؛ ليستقيمَ عوجها بالإضافةِ إلى غرسِ القيمِ في نفوسِ أبنائنا ؛ لتؤتي ثمارها جيلاً وثيقَ الصلةِ بربه ، قادراً على التأثير في حاضره وتغييره ، والتطلعِ إلى مستقبلٍ أفضل يحدوه الأملُ في أن يكونوا سواعدَ بنّاءةً في صرحِ حضارتنا المجيدةِ ، فأبناؤنا تقرُّ العيونُ ، وعليهم تنعقدُ الآمال .
تحتاجُ أمتي إلى إصلاحِ الفنِ ، وإعادة توجيه دفته ؛ ليتسنى له الارتقاءَ بالمجتمعِ بمعالجةِ قضاياه ، وحلِّ مشكلاته ، وترغيبِ المشاهدين في الفضائل ، وترهيبهم من الرذائل ، وأن يكونَ ذلك بمنأى عن الإسفافِ والهبوطِ بكافةِ أنواعه ووسائله .
تحتاجُ أمتي إلى إصلاح الإعلامِ ، وانتقاءِ مقدمي البرامجِ ؛ لأن لهم تأثيراً كبيراً في مستمعيهم ، وأن يكونَ اختيارهم على أساسِ الكفاءةِ ، والرقيِّ الأخلاقي ، وامتلاك أدواتِ الحوارِ إلى جانبِ إفساحِ المجالِ للمفكرين والمبدعين والمصلحين الذين يحملون همومَ هذه الأمةِ ، وتنحية الجدالِ الذي لا طائلَ من ورائه والذي يوغرُ الصدور ، ويتسببُ في تمزيقِ أشلاءِ هذه الأمة ، وإقصاءِ الرويبضةِ - الرجل التافه يتكلم في عظائم الأمور - ، وكلِ من كان همّه حبُّ الظهورِ ؛ لأنهم يفسدون ولا يصلحون ، ويفرّقون ولا يجمعون ، ويجرحون ولا يداوون ، وعلى علمائهم وساداتهم يتطاولون ، لا يعرفون لعالمٍ قدراً ، ولا يقيمون لمفكرٍ وزناً ، هدفهم إسقاطُ القممِ والقاماتِ ، وتشويهِ الصفحاتِ المشرقات .
تحتاجُ أمتي إلى تقويةِ أواصرِ القربى ، وروافدِ المحبّةِ بين أبنائها ، وتطهيرها من الشوائبِ التي عكّرت صفاءها ، وذهبت بنقائها ؛ لتعودَ نفوسنا نقيةً - كما أرادها الله- يحبُّ بعضنا بعضاً ، ونغرسُ بذورَ المحبةِ بإيدينا ، ونتعاهدها سويّاً ؛ لتورقَ وتورفَ ظلالها فنستظلُ بها إخوةً متحابين .
تحتاجُ أمتي إلى الأخذِ بقوةٍ على يدِ المجرمين الذين يقضّون مضاجعها باستباحتهم لأموالِ أبنائها وأعراضهم ، يعيثون في الأرضِ فساداً ، يروّعون الآمنين ، ويهتكون ستر المستورين ، ويقتلون معصومي الدّمِ .
وأختمُ مقالي هذا ببيانِ أن المسئوليةَ عظيمةٌ ، وحملها ثقيلٌ ينوءُ بحملها الأفراد فلابد من التكاتفِ والتآزرِ ، وتقاسمِ المسئوليةِ بين الأفرادِ والمؤسساتِ ، وقيامِ كلٌّ منا بدوره المنوطِ به ، والتشمير عن ساعدِ الجدِّ إذا ما أردنا لأمتنا اليقظةَ من غفلتها ، والبرءَ من علتها لتعودَ سيرتها الأولى ؛ فهذه مسئوليتنا جميعاً أمام الله ، ولن ينفعنا التعللُ بالأعذارِ ، واختلاقُ المبرّراتِ . اللهم قد بلغت ، اللهم فاشهد .



تعليقات
إرسال تعليق