لا أحدَ أعزُّ علينا من اللهِ ... بقلم الدكتور عمران صبره الجازوي

لا أحدَ أعزُّ علينا من اللهِ  ...

بقلم الدكتور عمران صبره الجازوي 
  
عندما دعا شعيبٌ - عليه السلامُ -  قومه إلى عبادةِ الله - عزَّ وجلَّ - وحده لا شريك له ، وأمرهم بإيفاءِ الكيلِ والميزانِ بالقسط ، وعدم بخسِ الناس أشياءهم ، والانتهاءِ عن الفسادِ في الأرضِ تعلّلوا بأنهم لا يفقهون كثيراً مما يقولُ ، وبأنه ضعيفٌ ، وقالوا بأن الحائلَ دون رجمهم إياه وجودُ رهطه إذ هو ليس عزيزاً عليهم ، فأنكرَ عليهم إعزازهم لقومه ، واستخففاهم بالله قائلاً - كما حكى القرآنُ الكريمُ - : { قال يا قومِ أرهطي أعزُّ عليكم من اللهِ واتخذتموه وراءكم ظِهْرِياً إنَّ ربي بما تعملون محيطٌ } سورة هود آية - 92 ، وهؤلاء ما استخفوا بربهم ، وجعلوه وراءهم ظِهْرِياً إلا لجهلهم به من ناحيةٍ ، وعدمِ تقديرهم له حقَّ قدره من ناحيةٍ أخرى . 
والحقيقةُ أنه لا أحدّ أعزُّ علينا من الله ، إذ خلقنا بقدرته ، وربّانا على نعمته ، نعصيه فيسترنا ، ونتوبُ إليه فيقبلنا ، ويسبغُ علينا نعمه ظاهرةً وباطنةً ، ويذكرنا وننساه ، ويرزقنا ونشكرُ سواه ، وبرغم ذلك يتودّدُ إلينا بالنعمِ - وهو الغنيُّ عنا - ، ونتبغّضُ إليه بالمعاصي - ونحنُ أفقرُ الخلقِ إليه -  فــ" لا أحدّ أعزُّ علينا من الله " ، عبارةٌ لو وضعناها نصبَ أعيننا لما عصيناه ، وشردنا عن حظيرته وشاققناه ، وأرضينا غيره وأسخطناه ؛ لأنها تشعرُ النفسَ السويّةَ بعظمةِ اللهِ ، وتعرّفها بما يتوجبُ عليها تجاهه من إفراده بالعبادة ، والائتمارِ بأوامره ، والانتهاءِ عن نواهيه ، وعدمِ طاعةِ غيره في معصيته . 
فيا كلُّ من أنعم اللهُ عليه بنعمةٍ عليك بشكرها ، واستخدامها في طاعته ، وعدم الاستعانةِ بها على معصيته بسخطه ، وإرضاءِ غيره ، فإنَّ أشدَّ الناسِ صراخاً يوم القيامةِ - كما قال الحسن البصريُّ - رجلٌ رُزقَ نعمةً فاستعان بها على معصيةِ الله ، وتذكر أنه لا أحدّ أعزُّ علينا من الله . 
ويا كلَّ متلبّسٍ بمعصيةٍ طاعةً للشيطانِ ، أو اتّباعاً لهوى النفسِ فاقلعْ عمّا أنت فيه من اجتراحِ السيئاتِ ، واقترافِ الخطيئات ، فلذّاتها ذاهبةٌ ، وتبعاتها باقيةٌ ، وتذكر أنه لا أحدّ أعزُّ علينا من الله .
ويا كلَّ مريدٍ أسلمَ زمامَ أموره لشيخه ، وولّاه على نفسه ، واعتقدَ فيه بأنه بابه إلى الله ، فلا يقدمُ على شييءٍ ، ولا يحجمُ عن آخرَ إلا بإرادته وتوجيهاته ، ولا يستجيبُ إلا لتشريعاته ، عُدْ إلى الكتابِ والسنةِ ، وانهلْ من معينهما ، فأنت بالتمسكِ بهما مأمورٌ ، وعن مخالفتهما مزجورٌ ، وتذكر أنه لا أحدّ أعزُّ علينا من اللهِ .

ويا من انخرطت في سلكِ جماعةٍ لا تعرفُ من الإسلامِ إلا اسمه ، ومن القرآنِ إلا رسمه ، ووقفت تحت لوائهم تقاتلُ عن معتقداتهم ، وما أتوْا به من عندياتهم ، وجعلوك آلةً لتنفيذِ مخططاتهم عدْ إلى طريقِ الحقِّ ولا يضركُ قلةُ سالكيه ، ولا تستمرْ في طريقِ الباطلِ ولا تغترْ بكثرةِ سالكيه ، وتذكر أنه لا أحدّ أعزُّ علينا من اللهِ .

تعليقات

المشاركات الشائعة