وأن أعملَ صالحاً ترضاه ...
بقلم الدكتور عمران صبره الجازوي
يُحكى أن فأرةً رأت جملاً فأعجبها فجرّت خطامه فتبعها فلمّا وصلت إلى بابِ بيتها وقفَ الجملُ متأملاً صِغرَ بابِ بيتِ الفأرة مقارنةً بحجمه الكبيرِ جداً ، فنادى الجملُ الفأرةُ قائلاً : إمّا أن تتخذي داراً تليقُ بمحبوبك ، أو تتخذي محبوباً يليقُ بدارك ...!!! وهكذا نحن إمّا أن نعبدَ اللهَ - عزَّ وجلَّ - عبادةً تليقُ بجلاله ، أو نتخذَ معبوداً غيره - عياذاً بالله - يليقُ بتقصيرنا وتفريطنا في عبادته ، فاللهُ - سبحانه وتعالى - لابدَ أن يُعبدَ كما يريد لا كما نريدُ ، وقد جعل اللهُ للعبادة التي أمر بها ، ودعا إليها شروطاً متى اختل أحدها رُدّت على صاحبها ؛ لافتقادها شرطاً من شرائطِ العملِ الصالحِ الذي يحبه اللهُ ويرضاه ، وهذه الشروطُ تتمثلُ فيما يلي :
- الإيمانُ ، فاللهُ - سبحانه وتعالى - لا يقبلُ من مشركٍ ولا كافرٍ ، قال تعالى : { ولقد أُوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركتَ ليحبطنَّ عملك ولتكوننَّ من الخاسرين } سورة الزمر آية - 65
- الإخلاصُ ، فاللهُ - تبارك وتعالى - لا يقبلُ من العملِ إلا ما كان خالصاً لوجهه ، لا رياءَ فيه ولا سمعةً ، قال تعالى : { وما أُمروا إلا ليعبدوا اللهَ مخلصين له الدين ... } سورة البينة آية - 5 ، وقال تعالى : { ليبلوكم أيكم أحسنُ عملاً .... } سورة الملك آية - 2 فأحسنُ العملِ أخلصه وأصوبه ، وأخلصه ما كان لله ، وأصوبه ما كان على طريقةِ رسولِ الله - ﷺ - ، فهو أخشانا لله ، وأتقانا له ، ولن يدركَ أحدٌ مقامه في العبادة ، فلقد صام حتى غارت عيناه من شدةِ الجوع ، وصلى حتى تورمت قدماه من كثرةِ الخشوع ، وجاء عنه - ﷺ - فيما يرويه عن ربه : "أنا أغنى الأغنياءِ عن الشركِ ، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري ، تركته وشركه " ، وفي روايةٍ : " فهو للذي أشرك " ، رواه مسلم ، وحجَّ - ﷺ - على رحلٍ رثٍّ - أي بالٍ - وقطيفةٍ خلِقةٍ - أي قديمةٍ - تساوي أربعةَ دراهم ، أو لا تساوي ، ثم قال : اللهم حجةٌ لا رياءَ فيها ولا سُمعةَ " ، أخرجه الترمذي في الشمائل .
- المتابعةُ ، وتعني أن نكون في جميع عباداتنا متابعين لرسولِ الله - ﷺ - مقتدين به ؛ إذ لو جئنا إلى اللهِ من كلِ طريقٍ ، واستفتحنا عليه كلَ بابٍ ما فتح لنا حتى نأتي خلفه - ﷺ - ، وقد أمرنا أن نأخذَ ما آتانا - ﷺ - ، وننتهي عمّا نهانا ، قال عزَّ من قائلٍ : { وما آتاكم الرسولُ فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ... } سورة الحشر7 آية - ، وقد قال - ﷺ - في الحجِّ : " لتأخذوا مناسككم ...." ، رواه مسلم ، وقال في الصلاة : " صلّوا كما رأيتموني أصلي ... " رواه البخاري ، فمن ابتدع في دين اللهِ ما ليس فيه ، وأتى بعباداتٍ من عندياتِ نفسه ، أو أرشده إليها شيخه ، أو زاد في عبادةٍ ما ، أو انتقص منها ، فقد شاقق الرسولَ - ﷺ - وخالفه ، واتبع غير سبيلِ المؤمنين { ومن يشاقق الرسولَ من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيلِ المؤمنين نولّه ما تولّى ونُصله جهنم وساءت مصيراً } سورة النساء آية- 115، ولله درُّ الإمام مالك - رضي الله عنه - إذ قد أتاه رجلٌ ، فقال : من أين أحرمُ يا إمامُ ؟ قال : من ذي الحليفة من حيث أحرم رسولُ اللهِ - ﷺ - ، فقال : إني أريدُ أن أحرمَ من المسجدِ ، فقال : لا تفعل ... فإني أخشى عليك الفتنةَ ، فقال : وأي فتنةٍ هذه ؟ إنما هي أميالٌ أزيدها - ظناً منه أنه كلما زادت المسافةُ زاد الأجرُ - ، فقال : وأي فتنةٍ أعظم من أن ترى أنك سبقت إلى فضيلةٍ قصّر عنها رسولُ الله - ﷺ - ؟ إني سمعت اللهَ يقولُ : { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنةٌ أو يصيبهم عذابٌ أليمٌ } سورة النور آية- 63
- التقوى ، وتعني أن يجدك اللهُ حيث أمرك ، ويفتقدك حيث نهاك ، والله - سبحانه وتعالى - لا يتقبلُ إلا من المتقين ، قال أبو الدرداءِ - رضي اللهُ عنه -: لأن أستيقنَ أن اللهَ قد تقبّل مني صلاةً واحدةً أحبُّ إليَّ من الدنيا وما فيها ، إنَّ اللهّ يقولُ : { إنما يتقبلُ اللهُ من المتقين } سورة المائدة آية - 27
هذه هي شرائط العبادة التي يحبها اللهُ ويرضاها ، ولا يقبلُ من الأعمالِ سواها ، فلنحرصْ على توافرها في كل عملٍ نريدُ به وجه الله ، والدارَ الآخرةَ ، ولو اختلت هذه الشروطُ أو أحدها لرُدَّت العبادةُ على صاحبها - كائناً من كان - ، وكان مأزوراً - والعياذُ باللهِ - غيرَ مأجورٍ ، قال - ﷺ - : " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ " ، رواه البخاري ومسلم ، أي : باطلٌ مردودٌ .
تعليقات
إرسال تعليق