بين الإسلام والتنمية البشرية ..
بقلم الدكتور عمران صبره الجازوي
إن مما يذهبُ النفسَ حسراتٍ أن أجدَ بعضاً ممن يُحسبون على المثقفين ، أو ينتظمون في سلكهم لا يتقبلون المبادئ الإسلامية إلا إذا صيغت في قوالب تنميةٍ بشريةٍ ، وكأن ديننا لابد له من صياغةٍ جديدةٍ تتمشى مع متطلبات العصر بكل ما فيه من مدنيةٍ مزعومةٍ ، أو تقدمٍ موهومٍ ذلك أن التقدم- عندي- لا يُعد تقدماً إلا إذا كان تحتَ الرعاية الإلهية ، واستلهام الإرشادات السماوية ، والحقيقةُ أن الأمرَ على خلاف ذلك فالواجبُ علينا قبولُ ديننا سواء وافق التنميةَ البشريةَ أو خالفها ؛ لأن ما يفعله أدعياء الثقافة المولعون بتقليد الغرب فيه ما فيه من المخالفات ، التي من أهمها ما يلي :
1- الشعورُ بالانهزامية والدونية تجاه الآخر خاصةً وأن علماء التنمية البشرية لا يدينون بديننا ويخالفوننا في العقيدة ، وبالرغم من ذلك سرنا وراءهم حذو القذةِ بالقذةِ ، ونسجنا على منوالهم ، وكأنَّ لسانَ حالِ المستغربين الذين ولوّا وجوههم شطرَ الغرب يقول : ما آتاكم الغربُ فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا، وتخلينا عن ديننا تصديقاً لما صدّروه إلينا من أن التمسكَ بالدين هو سببُ تخلفنا عن ركبِ الحضارة ناسين أن التقدمَ الذي هم فيه ما هو إلا بذرةً وضعها أسلافنا – رحمة الله عليهم – وتعاهدوها هم بالريِّ والسُقيا حتى أورقت أيما إيراق ، كما أن حضارتهم العرجاء التي تقفُ على ساقٍ واحدةٍ ما هي إلا خلاصة ما جادت به قرائح علمائنا ، وهذا ليس ادعاءً ، أو إلقاءً للكلام على عواهنه دون تحققٍ وتثبتٍ ، وإنما هو حقيقةٌ واضحةٌ للعيان وضوحَ الشمسِ في وسط النهار .
والسؤالُ الذي يطرحُ نفسه الآن :
لماذا الرجوعُ إلى المراجع الأجنبية – خاصةً في الأمور الدينية – والنهلِ من معين أصحابها ؟
وما فيها لا يخلو من حالين : إما أن يكونَ موافقاً لمعتقداتنا أو مخالفاً لها ، فإن كان موافقاً لمعتقداتنا فما كتبه علماؤنا المسلمون فيه الغناء ، وإن كان مخالفاً فلا حاجةَ لنا به .
2- أن في هذا اتهاماً لديننا بأنه عاجزٌ عن مواكبة التطورِ والتقدمِ ، وديننا برئُ الأديمِ – متهمٌ بما لم يفعل – إذ أن ديننا صالحٌ لكل زمانٍ ومكانٍ ، وهو الدينُ الخاتمُ الذي جاء بكل ما تحتاجه النفسُ البشرية لإشباع حاجاتها المادية والمعنوية ؛ لتكون بذلك مؤهلةً للوصول إلى ربها الذي طالما شردت عنه ، وهو الدينُ الذي بمجيئه بلغت البشريةُ سنَّ الرشدِ فلا تحتاجُ إلى غيره ، ولا تفتقرُ إلى سواه .
3- أن هذه الطرائقَ المبتدعةَ ، والمناهجَ المخترعةَ في الدعوةِ مخالفةٌ لطريقة نبينا - ﷺ - في الدعوة إلى الله تلك الطريقةُ التي أشار إليها القرآنُ قائلاً : { قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرةٍ أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين }سورة يوسف آية- 108 فالدعوةُ لا تحتاج إلى فلسفاتٍ ، أو تفتقرُ إلى مبرراتٍ ، أوتحتاجُ إلى التخلي عن الثوابت والمعتقدات ، فالله قال لرسوله - ﷺ - :{وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ...} سورة الكهف آية – 29
4- أن في ذلك اتهاماً للمسلمين بالنفعية فما كان من مبادئ دينهم يحققُ لهم نفعاً مادياً قبلوه ، وما لم يحقق لهم ذلك تركوه ، وهذا فيه ما فيه من المغالطة إذ أن المسلمين هم أطوعُ خلقِ الله لله ، وأكثرهم امتثالاً لإرادته ، وتنفيذاً لأوامره لا لأنها تحققُ لهم نفعاً بل يكفيهم أنها من قِبلِ الله – عزّ وجلّ – فالإسلام في ذاته استسلامٌ وخضوعٌ لله سواءً وقفنا على الحكم ِوالمقاصدِ التي تقفُ وراءَ الأوامرِ والنواهي الإلهية أم لا ، وإذا كانت التنميةُ البشريةُ غايتها أن تقدم للناس ما ينفعهم في حياتهم ، فالإسلامُ يقدّمُ لهم حياةً كاملةً للنفوسِ والأبدانِ على حدٍّ سواء ، قال تعالى : { يأيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ... } سورة الأنفال آية - 24
5- أن ذلك يتضمن إفسادأ لعقيدتنا – عقيدة التوحيد الخالص - ؛ لاشتمال التنمية البشرية على الكثير من المخالفات العقائدية كالاستشفاء بالطاقةِ ، وجعلِ ما ليس سبباً سبباً ، أو عمل الطقوس الكفرية التي تتسربُ بدورها إلى عقيدتنا عن طريق دسّ السمِّ في العسل ، وتجعلنا عُرضةً للوقوعِ في براثن الشركِ بعلمٍ أو بغيرِ علمٍ .
وفي الختامِ لا يفوتني أن أبينَ أنني لست أهدفُ من وراءِ مقالي هذا الصدّ عن التنميةِ البشريةِ ، أو التقليلِ من شأنها بل إنزالها منزلتها اللائقة بها ، وعدمِ المبالغة في تعظيمها ، وجعلها حاكمةً على ديننا ، فيكون قبولنا لمبادئ الدين أو رفضنا لها على أساسها ، بل تكونُ الحاكمية للدين عليها فما وافق ديننا قبلناه ، وما خالفه – كائناً من كان قائله – تركناه . وفقني الله وإياكم إلى ما فيه صلاحُ أمورنا ، وأخذ بنواصينا ونواصيكم إلى ما يحبُّ ويرضى .
تعليقات
إرسال تعليق