لِمَ أسلتم زمامَ أموركم ؟
بقلم الدكتور عمران صبره الجازوي
لم يلتحقْ النبي - ﷺ - بالرفيقِ الأعلى إلا وأمرنا جميعاً ، وعقيدتنا صافيةٌ لم تشوبها شائبةٌ من شوائبِ الشركِ ، أو تعكّرْ صفوها أدرانُ الإلحادِ ، راسخةٌ رسوخَ الجبالِ الرواسي ذلك الرسوخُ الذي جعل أصحابها بمعزلٍ عن التأثرِ بالأديانِ المحرّفةِ ، أو الفلسفاتِ الهدّامةِ ، ولكنّ الأمرَ لم يدم طويلاً فما إن انقضى عهدُ الصحابةِ - رضي الله عنهم - حتى تحققت نبوءةُ الرسول - ﷺ - بتفرقِ هذه الأمة أيادي سبأ ، وأصبحنا شيعاً وأحزاباً كلُّ حزبٍ بما لديهم فرحون ، ونصّبت كلُّ فرقة منّا لها إماماً أخذت عنه كلَّ أقواله وأفعاله ، بهديه يهتدون ، وبسيره وسيرته يستنّون ، وأحاطوه بهالاتٍ من التقديسِ والتعظيمِ ما طلبها نبيٌّ من أتباعه ، ولا رسولٌ من أشياعه ، فتعاظمت نفسه - وحقَّ له - ودخلها الكبرُ والعجبُ ، وأسلموا له زمامَ أمورهم فغدا يقول لهم بلسانِ الحال لا بلسانِ القالِ : ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيلَ الرشادِ .
وسؤالي الآن لهؤلاء الأتباعِ والمريدين : لِمَ أسلمتم لمشايخكم وأئمتكم زمامَ أموركم ؟
ألاعتقادكم بأنهم أبوابٌ تدخلون منها على الله - عزَّ وجلَّ - ؟ إن كان لهذا فاعلموا - هداكم الله - أنه لن يصلَ أحدٌ إلى الله إلا من سارَ خلفَ الأنبياءِ والمرسلين ، واقتبسَ من نورهم - صلواتُ ربيّ وسلامه عليهم أجمعين - ، ولِمَ لا ؟ وقد أخبرنا اللهُ بذلك على لسانِ رسوله - ﷺ - عندما قال : { وأنَّ هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتّبعوا السبلَ فتفرّق بكم عن سبيله ...} سورة الأنعام آية - 153 حيث وحّد الصراط ونسبه إليه ، ونهى عن تتبعِ السبلِ ؛ لأنها لا تدلُّ عليه .
أم لاعتقادكم بأنهم معصومون لا يعصون اللهَ ما أمرهم ، ويفعلون ما يؤمرون ، فكان اقتداؤكم بهم طمعاً في أن تصلوا إلى ما وصلوا إليه ببركةِ اتباعهم ، إذ بساحتهم - في زعمكم - تحلُّ البركاتُ ، وبأرجائها تتنزلُ الرحماتُ ؟
إن كان لهذا فاعلموا - سدّدكم الله - أن العصمةَ لم تثبتْ لأحدٍ في هذه الأمةِ إلا لنبيها - ﷺ - ، ومن عداه - كائناً من كان - بشرٌ يخطئُ ويصيبُ ، ويؤخذُ من قولهِ ويُترك ، وكلٌّ بني آدم خطّاءٌ ، وخيرُ الخطّائين التوّابون .
أم لأحاديثهم لكم عن كراماتهم المزعومةِ ، وهم مصدّقون عندكم لا يداخلكم في كلامهم شكٌّ ، أو يعتوركم فيه ريبٌ ؟ فاعتقدتم بأنهم أولياءُ لله - عزَّ وجلَّ - .
إن كان لهذا فاعلموا - وفقكم الله - أن الكراماتِ المزعومةِ ليست دليلَ ولايةٍ لله ، والتعويلُ على اتّباعِ الكتابِ والسنةِ ، ولله درُّ الشافعي - رحمه الله - عندما قال : لو رأيتم الرجلَ يمشي على الماءِ ، أو يطيرُ في الهواءِ فلا تغتروا به حتى تعرضوا أمره على الكتابِ والسنةِ . كما أن الولايةَ ليست قصراً على هؤلاء ، فكلُّ من كان مؤمناً تقياً كان لله وليّاً ، كما قال تعالى : { ألا إن أولياءَ اللهِ لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون * الذين آمنوا وكانوا يتقون } سورة يونس آية - 62:63 .
أم لضعفِ عقولكم ، وانعدامِ شخصياتكم ، فتسلّطَ بذلك شيوخكم وأئمتكم عليكم ؟
إن كان لهذا فأسأل الله - عزَّ وجلَّ - أن يقوّي إيمانكم ، ويثبّت عقائدكم ، ويوحّد متابعتكم لرسوله - ﷺ - إنه وليُّ ذلك والقادرُ عليه ، واعلموا أن ذلك لا يمهّدْ لكم عذراً عند الله ، فالمؤمنُ القويُّ - بكلِ أنواعِ القوةِ سواءً أكانت فكريةً أو جسميةً أو ..... إلخ هذه الأنواع - خيرٌ وأحبُّ إلى اللهِ من المؤمنِ الضعيفِ .
تعليقات
إرسال تعليق