بقلم دكتور دعاء الغندور
مستشار اسري وتربوي وأخصائي تربيه خاصه
ابني ..والتوحد
الطفولة ، هي أعظم وأغلى هبة يحصل عليها الإنسان طوال سنوات حياته ، وفقدانها أو سرقة جزء منها ، يعتبر أكبر جريمة تتم في حقه ، والحفاظ على طفولةِ ابنائنا ، هو مسؤولية عدة منظومات متداخلة تبتدئ من الوالدين ، والأسرة ، والمجتمع الصغير والمدرسة وتكبر هذه الدائرة تباعاً لتشمل كل مكونات المجتمع الأخرى من منظومات تربوية وتعليمية وصحية.
ماذا لو تمت سرقة هذه الطفولة الثمينة جدا بواسطة لص صامت ، لا يُحدث أي ضوضاء أو جلبة ، يحُل ضيفاً ثقيلا على أطفالنا وينتزع منهم طفولتهم بدون أن يلحظ أي أحدٍ لفعلته في أغلب الأحيان ، إلا بعد فواتِ الأوان ؟
هذا اللص ، هو مرض التوحد ، لِصُ الطفولةِ الصامِت ، وهو الموضوع الذي سنتناوله في أول حلقات السلسلة الطبية التي سننشرها تباعا في مجلتكم جيل جديد ، بأسلوب مُبسط، من أجل مجتمع صحيٍ ومتعافي. موضحين فيه ، طبيعة المرض وأسباب حدوثه وأعراضِه ، والطريقة الأمثل للتعامل معه وأحدث نتائج الأبحاث والدراسات المُتعلقة به.
كلمة توحد تورث في نفس المتلقي لها إحساسا عظيما بالعزلة والانفصال الكبير عن محيط الفرد و الانكفاء التام على النفس ، ولكن ، هل تنطبق هذهِ الكلمة فعلياً على هذا المرض ؟
التوحُد في أبسط تعريف ممكن له ، هو خلل في النمو العصبي ، يترتب عليه خلل في التواصل الاجتماعي للمريض بصورة لفظية أو غير لفظية ، يصاحبها أنماط سلوكية مقيدة بصورة متكررة يقوم بها الطفل المصاب بالتوحد ، بحيث يعاني دماغ الطفل من خلل في معالجة البيانات الداخلة اليه ، بسبب عدم انتظام الخلايا العصبية ونقاط اشتباكها ، وهو تعريف رغم بساطته لا يزال حقلاً ملغماً من المعرفة الغير مكشوفة ، والتي تحتاج للمزيد من البحث والدراسات للتعرف أكثر على آلية حدوثه.
طفل من بين كُل 100 طفل حول العالم ، يصاب بمرض التوحد ، واستناد علمي كبير على دور الجينات وعامل الوراثة يلعب دوراً كبيراً في تحديد أسباب هذا المرض.
وليست الجينات فحسب هي المتهم الرئيسي في قضية التوحد ، بل بيئة الطفل نفسها ومكوناتها الكيميائية، وتفاعله معها تلعب دوراً كبيراً في احتمالية حدوثه ، و أشارت الدراسات الى أنّ بعض الأمراض كالسُل الرئوي ، وبعض اللقاحات تؤدي دوراً لا زال مطروحاً لاستمرار الدراسة والأبحاث بخصوص إسهامه في تعرض الطفل لمرض التوحد
وسائل التصوير والكشف الدماغي أوضحت تغييراً مشتركاً في أدمغة الأطفال المصابين بالتوحد ، وخاصة في المناطق المعنية باللغة والتواصُل الاجتماعي من دماغ الإنسان ، الأمر الذي يجعل مشكلة التواصل الاجتماعي اللفظي وغير اللفظي أكبر وأهم أعراض مرض التوحد.
ولكن هل كل طفل ، قليل أو عاجز عن التواصل اللفظي وغير اللفظي مع المجتمع من حوله ، مصابٌ بمرضِ التَوحُد ؟
في الأغلب ، يتم تشخيص مرض التوحد بعد سن ال ثلاث سنوات ، يكون فيها الطفل المصاب بمرض التوحد ، إما قد بدأ في اكتساب بعض آليات التواصل ثم توقف عن تطويرها أو فقدها بعد الحصول عليها، أو عجز عن اكتسابها من الأساس.
وأعراض المرض الواضحة تتمثل في :
1 – حركات متكررة من التأرجح أو الدوران في نفس المكان أو ترتيب الأشياء والألعاب ووضعها في صفوف متراصة.
2- تجنب الاتصال بالعين أو الاتصال الجسدي واللفظي.
3- التأخر في اكتساب اللغة
4- ترديد أصوات الاخرين
5- تكرار الكلمات أو الجمل.
6-الشعور بالحزن الشديد
تُعتبر اضطرابات الحركة علامة مميزة عند كثير من الأطفال المصابين بالتوحد، وقد تكون موجودة منذ الولادة عند البعض منهم. ملاحظة وتحليل حركة الطفل الصغير قد تعطينا مؤشرات مبكرة عن حدوث هذا المرض قبل ظهور بقية الأعراض.
غالبا ما تكون الاضطرابات الحركية عند هؤلاء الأطفال واضحة ومميزة. من الأمثلة على تلك الحركات، أن يقوم الطفل بمد يده أمام وجهه، مباعداً بين أصابعه، ومن ثم تحريك يده إلى وجهه وبعيداً عنه. فعلٌ مثل هذا يُوصف بأنه محفز للذات لأنه ينتج إحساساً بصرياً بالحركة.
كثير من الحركات التي يقوم بها أطفال التوحد هي محاولات تهدف إلى تزويد أنفسهم بمحفزات حسية في بيئة تخلو منها. يمكن تعليم الأطفال، من خلال وسائل التعليم الخاص، أن يتوقفوا عن هذه الحركات، إلا أنها قد تعود للظهور في أوقات الإجهاد النفسي أو الإثارة.
ولتشخيص المرض بصورة قاطعة ، لا تمثل هذه الأعراض دليلاً قاطعاً عليه ، ولكن يحتاج الطبيب الى التحصل على تاريخ مرضي كامل وإجراء اختبارات نمو منهجية خاصة بكل مرحلة عمرية للطفل ، ومجموعة من الفحوصات التكاملية الأخرى التي تقود نتائجها بجانب هذه الأعراض التي تم ذكرها الى تشخيص مرض التوحد.
ونظراً لكون التوحد من أكثر الأمراض الحديثة التي لا يزال مجال الدراسات فيها خصباً ومتاحاً نجد أن اكتشاف علاج ناجع له يعد فكرة تحتاج الى مجهود كبير لجعلها حقيقة ممكنة ، والطب الحديث لم يتمكن حتى الان سوى من توفير بعض اليات الطب البديل للتعامل مع هذا المرض تتمثل في :
1- العلاج السلوكي :
العلاج السلوكي يساعد الأطفال الذين يعانون من أعراض مرض التوحد على تعلم التحدث والتواصل، التطور جسديا والتعامل مع الاخرين بسهولة أكبر. البرنامج السلوكي يشجع النشاطات الإيجابية ويستبعد السلوكيات السلبية. هنالك نهج اخر يعمل على العواطف والمهارات الاجتماعية من خلال اللعب ببطاقات الصور والوسائل البصرية الأخرى
طرق_علاج_التوحد
2- الأدوية : لا يوجد علاج دوائي ضد أعراض مرض التوحد نفسه، ولكن هناك أدوية يمكن أن تساعد في معالجة بعض الأعراض. أدوية المكافحة – الذهانية يمكن أن تساعد الذين يعانون من مشاكل سلوكية خطيرة مثل العدوانية، إيذاء الذات ونوبات الغضب. الأدوية التي تساعد ضد نوبات التوحد يمكن أن تساعد هي أيضا، وتصف أحيانا مضادات الاكتئاب للأطفال لتخفيف بعض من هذه الأعراض.
3- التدخل الحسي: الأطفال المصابون بالتوحد قد يكونون حساسين جدا للروائح، الأصوات، اللمس، الذوق ومشاهد معينة. على سبيل المثال، فإنهم قد يشعرون بشعور سيئ نتيجة تعرضهم للأضواء اللامعة جدا أو يشعرون بعدم الارتياح من سماع قرع جرس الفرصة في المدرسة. مساعدة هؤلاء الأطفال على مواجهة هذه المحفزات الحسية تحسن بشكل ملحوظ سلوكهم.
وعند إدراكنا لأننا نتعامل مع أحد أكثر الأمراض صمتاً ، لا يأتي الا كلصٍ متخفي ، ينبغي أن نتملكَ المعلومات الأساسية عنه ، ونرفع مستوى وعينا عن أعراضه المبكرة جدا ً ومراقبة سلوك ونمو أطفالنا بحذر وانتباه ، لحمايتهم من هذا المرض الذي لا نملك سوى الوعي علاجاً ناجعاً له.
فإن إتمام الطفل للسنة الأولى دون محاولة الكلام ، إتمام الطفل للسنة الأولى دون استخدام الإيماء (أي التلويح أو الإشارة باليد)
بلوغ الطفل للسنة ونصف السنة دون لفظ كلمات مفردة ،بلوغ الطفل السنتين دون استخدام جمل من كلمتين تكون من صنعه وليست مجرد تكرار بلا معنى لما يسمعه. فقدان الطفل في أي عمر للمهارات اللغوية أو المهارات الاجتماعية التي كانت لديه سابقاً جميعها مؤشرات خطر ينبغي علينا الانتباه لها بشدة فمعرفتنا المبكرة لهذه الأعراض تساعدنا في بدء وسائل العلاج المتاحة والحصول على نتائج أفضل بكثير من وصول الطفل لمراحل يصعب عندها التدخل الطبي.
تعليقات
إرسال تعليق