إصلاحُ ذاتِ البين . بقلم الدكتور عمران صبره الجازوي

إصلاحُ ذاتِ البين . 


بقلم الدكتور عمران صبره الجازوي


إنَّ الشيطان - لعنه اللهُ - قد آلى على نفسه إغواء بني آدم  ما دامت أرواحهم لم تفارق أجسادهم ، قال رسولُ الله - ﷺ  - : " إن الشيطان قال : وعزتك يا رب لا أبرحُ أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم ، فقال الربُ تبارك وتعالى : وعزتي وجلالي لا أزالُ أغفرُ لهم ما استغفروني " أخرجه الحاكم في المسترك على الصحيحين ج/4 ص 290 ، ومن وسائلِ إغوائه إفسادُ ذاتِ البينِ ، وإذكاءُ نارِ الخلافِ والشقاقِ بين من تجمعهم إخوةُ الإيمانِ ، وتشملهم دائرةُ الإسلامِ ، فيستحيلُ على إثرِ ذلك اجتماعهم تفرقاً ، وقوتهم ضعفاً ، وتوادّهم بغضاً وكرهاً ، وهذه غايةُ إبليس وأقصى أمانيه التي لا يألو جهداً في تحقيقها ، ويبذلُ ما في وسعه للوصول إليها ؛ لأن غرسّ بذورِ الشقاقِ والخلافِ بمثابةِ السوسِ الذي ينخرُ في جسدِ الوحدةِ ، ويمزّقُ أواصرَ المحبةِ ، لذا جعل الإسلامُ إصلاحَ ذاتِ البينِ أفضلَ من درجة الصيامِ والصلاةِ والصدقةِ ، فعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال : قال رسولُ الله - ﷺ   - : " ألا أخبركم بأفضلَ من درجةِ الصلاةِ والصيامِ والصدقةِ ؟ ، قالوا : بلى . قال : إصلاحُ ذاتِ البينِ ، وفسادُ ذاتِ البينِ هي الحالقةُ " أخرجه أحمد والترمذي وأبو داود . فالشحناءُ والبغضاءُ لا تحلقُ الشعرَ بل تحلقُ الدين : أي تذهبُ به كما يذهبُ الموسي بالشعرِ . 

والمتأملُ في زماننا هذا ليجدُ أن إصلاحَ ذات البين قد اعتراها ما اعترى سائر أخلاقياتنا من التغييرِ والتبديلِ فنجدُ أنها قد أنشئت من أجلها الجمعيات باسم ( فضُّ المنازعات ) ، وأُسست لها اللجان ، ورُصدت لها الميزانيات ، وأُقيمت لها السرادقات ، وترأسها أناسٌ عن الدينِ بمعزلٍ - إلا من رحم ربك - لم يبتغوا بها وجهَ الله ، ولم يروموا بها مساهمةً في الحفاظِ على وحدة الأمةِ وتماسكها ، وتوثيقِ أواصرِ المودّةِ والمحبةِ بين أبنائها ، بل أرادوا بها شهرةً وسمعةً ، وذياعَ صيتٍ وعلوِّ ذكرٍ بين الناسِ ، ففسدت نواياهم ، وجعلوا إصلاحَ ذاتِ البينِ لغيرِ ما أُريد لها ، وزادوا الطينَ بلَّةً بأحكام المحكّمين التي تخالفُ الشرعَ والدين فيُملئُ المرءُ عجباً عندما يقفُ على بعضِ هذه الأحكام التي أتوْا بها من عندياتِ أنفسهم إذ لم ترد في كتبٍ دينيةٍ ، ولم تحوها شرائعُ سماويةٌ فقد يحكمُ أحدهم بآلافٍ مؤلفةٍ في لطمةِ وجهٍ ، أو تلفظِ بكلمةٍ ، وقد يحكمُ أخرُ بتهجيرِ أسرةٍ وتشريدها بسببِ خطأٍ ارتكبه أحدُ أبنائها جهلاً بقوله تعالى : " ألا تزرُ وازرةٌ وزرَ أخرى " سورة النجم  آية - 38 ، أو إعراضاً عنه ، أو يحكمُ بديّةِ إنسانٍ في كلبٍ قتله أحدهم متعمداً كان أم مُخطئاً ، متعللين بقولهم : من يقتل الكلبَ يقتل صاحبه ..... إلخ هذه الأحكام التي ما أنزل اللهُ بها من سلطانٍ . فإلى متى الاستعاضةُ بالأحكامِ الوضعيةِ عن الأحكامِ السماويةِ ، وتخليفها وراءنا ظِهرياً ، وجعلِ الدين بمعزلٍ عن حياتنا ؟ بالرغمِ من أن ديننا قد جاء بمنهجِ حياةٍ شاملٍ لمُيعِ جوانبها ، وراعى ظروفَ الناسِ وأوضاعهم فلم ينحازْ لطائفةٍ دون طائفةِ ، ولم يحابِ فئةً على حسابِ فئةٍ أخرى بل الكلُّ أمامه سواسيةٌ كأسنانِ المشطِ ، فلنعدْ إلى ربنا - عزَّ وجلَّ - ممتثلين أوامره ، منفّذين لأحكامه التي ما شرعها لنا إلا وهو أعلم بما يصلحنا { ألا يعلمُ من خلقَ وهو اللطيفُ الخبيرُ } سورة الملك   آية - 14 .

تعليقات

المشاركات الشائعة